لغز الفتحة العملاقة في جليد القطب الجنوبي: العلماء يكشفون الأسباب الكامنة

4 د
رُصدت ظاهرة "بولينيا" في بحر ويدل كفتحة عملاقة وسط جليد القطب الجنوبي.
تحليل البيانات الحديثة شمل الأقمار الصناعية وأبحاث الفقمات لفهم نشوء البولينياس.
تنشأ الفتحات بسبب تفاعل ثلاثي: مياه مالحة، عواصف شتوية، وتيارات بحرية قوية.
يؤثر موقعها المحدد فوق جبل بحري على استمرار وجودها وتفاعل النظام البيئي.
الفتح قد يؤدي لإطلاق ثاني أكسيد الكربون، مما يؤثر على توازن النظام المناخي.
تخيل أن تجد حفرة شاسعة الحجم تتوسط طبقات الجليد الصلبة في أعماق القطب الجنوبي، بمساحة تفوق ولاية ماريلاند الأمريكية، الأمر الذي أثار دهشة العلماء وعلامات تعجبهم بعد أن رُصدت تلك الظاهرة الغامضة في بحر ويدل عامي 2016 و2017. لقد بدت تلك الفتحة الهائلة، والتي يُطلق عليها علميًا اسم "بولينيا"، وكأنها نافذة غريبة وسط صقيع أنتاركتيكا المترامي، ما دفع فرق البحث وعلوم المناخ إلى تقصي ما وراء هذا الحدث النادر.
في السنوات الماضية، سجلت الأقمار الصناعية مشاهد مماثلة من هذه البولينياس التي تعود لسبعينيات القرن الماضي، وبلغ حجم بعضها مساحة تعادل دولة نيوزيلندا. لكن حتى وقت قريب، بقيت هذه الفتحات لغزًا علميًا يصعب شرحه. هنا تدخلت التطورات الحديثة في تتبع البيانات، ليس فقط عبر الأقمار الصناعية وروبوتات الاستشعار المائي، بل وحتى بفضل أبحاث اعتمدت على فقمات مزوّدة بأجهزة قياس. هذه الابتكارات مجتمعة أزاحت كثيرًا من الغموض، وخلقت صورة أوضح عن آلية نشوء هذه الثقوب الجليدية العملاقة.
العوامل المتداخلة وراء نشوء البولينياس
من المثير أن نتائج أحدث الدراسات كشفت أن تشكّل البولينياس ليس وليد عامل وحيد، بل هو ثمرة تلاقي عدة أسباب بيئية وجيولوجية في وقت وظروف مترابطة. بحسب البروفيسور ستيفن رايزر، أحد معدّي الورقة البحثية، فإن حدوث هذه الظاهرة يحتاج توافُق ثلاثة شروط رئيسية: بحر أنتاركتيكي، مياه سطحية شديدة الملوحة، وعواصف شتوية قوية. وحدها تلك العوامل مجتمعة يمكنها فك شيفرة هذا الحدث، أما أي نقص في سلسلة التشكل فلن ينتج عنه الفتحة الفريدة.
وللتفصيل أكثر، تعمل العواصف الشرسة هناك على مزج طبقات المياه، فترتفع تيارات المياه الدافئة من الأعماق إلى السطح، فتصهر الجليد وتعيق إعادة تجمده. بهذا تستمر عملية قلب المياه حتى تنشأ الفتحة وتبقى مفتوحة لأسابيع وربما شهور. هذه الديناميكية المدهشة تجعل من البولينياس شبيهة بقلب المحيط رأسًا على عقب، الأمر الذي يغير من النظام البيئي المحلي بشكل لافت ويثير اهتمام علماء المحيطات.
وللتوضيح، فهذا الترابط بين الشروط المناخية والتيارات البحرية والأعاصير العنيفة يسلط مزيدًا من الضوء على البنية المتكاملة للنظام البيئي في ذلك الجزء من العالم.
ما سر المكان المحدد لهذه الظاهرة الغامضة؟
استكمالًا لمعطيات التشكل، تكررت ملاحظة هذه الفتحات في نفس الموقع فوق جبل بحري يُدعى "مود رايز" تحت سطح المحيط. ما يحدث هنا هو تفاعل فريد بين قاع البحر وتيارات الماء الدافئ التي تدور حول جانب الجبل، فتتجمع حرارة المياه وتبقى محاصَرة في تلك البقعة، مما يعزز من فرصة استمرار الفتحة وبقائها مفتوحة. هذه الآلية، بجانب توافر الغذاء والأكسجين، تخلق ملاذًا أو "واحة جليدية" يستخدمها البطاريق والحيتان والفقمات من أجل التنفس والصيد، حتى في قلب الشتاء القطبي القاسي.
وبالطبع، يرتبط هذا كله بتركيبة المكان الجغرافية وهي ميزة استثنائية غير متكررة في مناطق أخرى من القارة القطبية.
تأثيرات بيئية ومناخية: القلق من الأسوأ!
لكن على الرغم من أن هذه الواحات القطبية تؤدي دورًا مهمًا في حياة الحيوانات البحرية المحلية، إلا أن الاختصاصيين في علوم المناخ يحذّرون من انعكاساتها البيئية المحتملة. الفتحات العميقة تمكّن من تهوية خزانات الكربون “الحبيسة” في أعماق المحيط منذ مئات السنين، فتعرّضها السريع والساحق لسطح الماء بفعل الخلط العنيف، قد يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. هذا السيناريو قد يهز توازن النظام المناخي في حال تكررت الظاهرة بشكل دوري عبر عدة مواسم متتالية، ما يستدعي استنفار العلماء لتحسين نماذجهم الحاسوبية، ودراسة هذه العمليات بأدق التفاصيل لاحتواء أي آثار عالمية محتملة.
وبالتالي، فإن فهم هذه الحلقة المترابطة من البحار العميقة إلى الغلاف الجوي بات ضرورة ملحّة في ظل رهانات التغير المناخي.
ختامًا، يمكن القول إن لغز الفتحة العملاقة في جليد أنتاركتيكا انتقل من خانة الغموض إلى دائرة الفهم العلمي، وإن كانت بعض تفاصيله ما زالت محط بحث وتطوير في مجال النماذج المناخية والتنبؤات البيئية. لعل التركيز أكثر على ديناميكية العواصف المحيطية واستخدام مصطلحات مثل "ديناميكية الأعماق" أو "الدوران العمودي" يضفي عمقًا أدق على التحليل، وربما يسهم توضيح ارتباط المصطلحات مثل البولينياس بالحلقة المناخية العامة في تسهيل الصورة على القارئ وربط المتغيرات بسلاسة أكبر في متن النص.