ذكاء اصطناعي

لوحات بدائية أذكى من حضارتنا… كادت تنقذ آلاف الأرواح!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تكشف النقوش الصخرية في صحراء السعودية عن أسرار البقاء منذ 12 ألف سنة.

عُثر على أكثر من ستين لوحة صخرية تضم نقوشًا لحيوانات منها الجمال والغزلان.

الأبحاث أوضحت أن النقوش عملت كلوحات إرشادية لمصادر المياه والعبور القبلي.

تشير اللقى الأثرية إلى وجود شبكات تواصل ثقافي بين الجزيرة العربية والمشرق.

تمثل النقوش هوية ثقافية فريدة تعزز التكيف والابتكار في بيئة قاسية وصعبة.

هل يمكن أن يكون الفن القديم أكثر من مجرد تعبير جمالي؟ الاكتشاف الأثري الجديد في شمال السعودية يوحي بأن النقوش الصخرية الضخمة، التي تعود إلى 12 ألف سنة مضت، لم تكن مجرد لوحات على الجدران، بل علامات حياة حقيقية أنقذت أرواحاً في قلب الصحراء.

في عمق صحراء النفود الكبرى، رصد فريق دولي من علماء الآثار أكثر من ستين لوحة صخرية تحمل 176 نقشاً لحيوانات مثل الجِمال والغزلان والوعول. المدهش أن بعض هذه الرسومات جاءت بالحجم الطبيعي أو أكبر، حيث وصل طول بعضها إلى ثلاثة أمتار، بل ووجدت على ارتفاع يصل إلى 39 متراً على جروف شاهقة، ما يدل على جهد وجرأة لافتة من صانعيها. وهذا يعكس أن النقوش لم تكن للعرض فقط، بل هدفت إلى إرسال رسائل باقية.


علامات طريق في زمن قاسٍ


الأبحاث التي نشرت في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز أشارت إلى أن هذه النقوش ارتبطت بمصادر المياه الموسمية التي عادت إلى الظهور بعد فترة الجفاف الشديد عقب العصر الجليدي الأخير. بمعنى آخر، كانت بمثابة “لوحات إرشادية” تدل القبائل الرحّل على أماكن الشرب والعبور الآمن. وهذا يفسّر كيف ساعدت تلك الرسومات في تمكين البشر الأوائل من التكيّف مع بيئة متقلبة.

وانطلاقاً من هذه الفكرة، يصبح مفهوماً كيف كانت تلك النقوش جزءاً من استراتيجية بقاء، وليست مجرد فن بصري. فهي تحمل دوراً اجتماعياً وثقافياً يعكس حضور الجماعة وسعيها لتثبيت هويتها في منطقة صعبة العيش.


تواصل بعيد المدى


الدلائل الأثرية كشفت أيضاً عن وجود خرز وأدوات حجرية على الطراز الشامي، إضافة إلى أصباغ خضراء مميزة. هذه اللقى تشير إلى شبكات تواصل وتبادل بين سكان الجزيرة العربية وجماعات أخرى في المشرق، ما يعني أن سكان الصحراء لم يكونوا معزولين بل جزءاً من شبكة أوسع من التفاعل الثقافي. وهذا يربط بين النقوش كعناصر هوية محلية وبين الروابط العابرة للحدود التي نسجها البشر منذ آلاف السنين.


هوية ثقافية فريدة


بحسب د. فيصل الجبرين من هيئة التراث السعودية، فإن هذه المنحوتات الضخمة تعكس “هوية ثقافية مميزة” تكيفت مع بيئة قاسية لا ترحم. فالاختلاف في الحجم والموقع والدقة الفنية يميزها عن أشكال الفن الصحراوي الأخرى في مناطق مختلفة من العالم، مما يعطي شبه الجزيرة العربية دوراً خاصاً في سردية الحضارة الإنسانية. وهذا يوضح كيف أن الإبداع البشري نما حتى في أقسى الظروف، دافعاً الناس للابتكار والتواصل عبر الرموز.

ذو صلة

خلاصة


تكشف هذه النقوش الصخرية أن الفن لم يكن يوماً مجرد وسيلة للتعبير الجمالي، بل أداة للبقاء ومخزن معرفة ينتقل بين الأجيال. إنها دليل ناطق على أن الإنسان منذ آلاف السنين كان يسعى لترك بصمة تُرشد وتساعد من يجيء بعده، ليجد ماءً أو يعرف طريقاً وسط صحراء بلا علامات. وكأنها رسالة من الماضي تقول: البقاء، مثل الفن، يحتاج إلى خيال ورؤية تتجاوز اللحظة.

ذو صلة