مادة خارقة جديدة من البكتيريا قد تقلب موازين صناعة البلاستيك

3 د
نجح فريق بجامعة هيوستن بابتكار مادة صديقة للبيئة من السليلوز البكتيري.
تتميز المادة الجديدة بالقوة والمرونة والشفافية، قابلة للاستخدام في صناعات متعددة.
إنتاج المادة يعتمد على تقنية بسيطة باستخدام السليلوز البكتيري والنيتريد البوروني.
تمثل هذه المادة نقلة نوعية نحو اقتصاد دائري ومستدام بيئيًا.
يتطلع الباحثون إلى تطوير طرق اقتصادية لتفعيل الإنتاج التجاري للمادة الخضراء.
لا شك أن أزمة التلوث بالبلاستيك باتت حديث الساعة على مستوى العالم، فالنفايات البلاستيكية تتكدس في كل زاوية من الكرة الأرضية، مسببة أزمات بيئية وصحية متصاعدة. ومن أجل مواجهة هذا التحدي، لجأ باحثون إلى استلهام حلول مباشرة من الطبيعة نفسها، حيث نجح فريق من جامعة هيوستن بقيادة الدكتور مقصود رحمن في ابتكار مادة صديقة للبيئة مصنوعة من السليلوز البكتيري، قادرة على أن تحل محل البلاستيك في الكثير من الصناعات.
المادة الجديدة تتمتع بخصائص مدهشة تجمع بين القوة والمرونة والشفافية، وتستطيع أن تخدم في مجموعة واسعة من الاستخدامات اليومية. يتوقع الخبراء أن نرى قريبًا عبوات المياه القابلة للتحلل، والمواد التغليفية الصديقة للبيئة، وحتى الضمادات الطبية المصنوعة من هذه المادة الحيوية المتجددة. ومن اللافت أن إنتاج هذه المادة يعتمد أساسًا على السليلوز البكتيري، الذي يعتبر من البوليمرات الطبيعية المتوفرة بكثرة، وغير ضار بالبيئة، وسهل التحلل في الطبيعة.
وهنا تبرز أهمية نتائج الباحثين التي نُشرت مؤخرًا في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، حيث صرّح الدكتور رحمن بأنهم يتصورون مستقبلاً تنتشر فيه هذه الألواح القوية ومتعددة الاستعمال، لتحل محل البلاستيك التقليدي في العديد من القطاعات، وتساهم بذلك في تقليل الأضرار البيئية. وقد شرح الفريق العلمي الطريقة المستخدمة والتي ترتكز على تصنيع السليلوز البكتيري عبر خطوة واحدة فقط، باستخدام جهاز خاص يدور السوائل بشكل مستمر. هذا الدوران المحكم يُرغم البكتيريا المنتجة للسليلوز على تنظيم حركتها، ما يؤدي في النهاية إلى ترتيب الألياف النانوية الداخلية داخل الألواح بشكل محكم، وهو ما يمنح المادة قوتها ومرونتها الفريدة.
خصائص استثنائية للمادة السحرية
واللافت أن الباحثين لم يكتفوا بتطوير ألواح سليلوز قوية وشفافة فقط، بل قاموا أيضًا بتعزيز خواص هذه المادة من خلال دمجها مع صفائح نانوية من نيتريد البورون. هذا التعديل أدى إلى تحسن كبير في مقاومة الشد (أي التحمل الميكانيكي)، بالإضافة إلى زيادة كفاءة نقل الحرارة بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بالعينة العادية. وتوحي هذه الخصائص أن المادة الجديدة يمكن أن تُستخدم في تصنيع العديد من المنتجات التي كانت تقتصر في السابق على البلاستيك أو المواد المعدنية—مثل العبوات، منتجات التغليف الذكي، الأجهزة الإلكترونية البيئية، وحتى مكونات السيارات.
هذه النقلة النوعية في تصنيع المواد الحيوية ليست مجرد ثورة تقنية عابرة، بل تمثل خطوة حقيقية نحو مستقبل تعتمد فيه الصناعة بشكل أكبر على الموارد المتجددة. وبالانتقال من شرح تركيب المادة الاستثنائية، تبرز الآن أهمية البعد البيئي للمسألة، لا سيما في ظل القلق العالمي المتزايد بسبب التلوث البلاستيكي.
آفاق بيئية واقتصادية واعدة
في قلب هذا الإنجاز يتضح حرص العلماء على مواجهة أخطار المواد المصنعة من مشتقات النفط، والتي تترك آثارًا طويلة الأمد على النظم البيئية وصحة الإنسان بسبب صعوبة تحللها وتركزها في السلاسل الغذائية، حتى وصل الأمر لاكتشاف آثار البلاستيك الدقيق في دم الإنسان والحيوان على حد سواء. لذا يولي فريق البحث أهمية بالغة لكون السليلوز البكتيري مادة متجددة، متوافقة حيوياً، وقابلة للتحلل، ما يؤهلها للاندماج في منظومات الاقتصاد الدائري وتحقيق منافع بيئية وصحية واسعة.
وهذا يجمع بين الرؤية العلمية والتطبيقية، حيث يسعى الباحثون حاليًا إلى تطوير إنتاج المادة بأساليب اقتصادية وقابلة للتوسع الصناعي، لضمان إتاحتها تجاريًا في أسرع وقت ممكن.
خاتمة: بداية عصر المواد الخضراء
خلاصة القول إن المادة الجديدة تفتح أمام البشرية باباً للأمل في الخلاص من هيمنة البلاستيك المضر، بتقديم بديل يجمع بين الاستدامة والقوة وسهولة التصنيع. ولا تزال هناك الكثير من الخطوات لتحسين خصائص المادة وربما تعبير "مادة خارقة" يمكن استبداله لاحقًا بمصطلح أدق يعبّر عن طبيعتها الحيوية المتقدمة. وقد يكون من المفيد كذلك التركيز أكثر على التطبيقات الطبية والصناعية الواعدة، بما يمنح القارئ صورة أوضح عن مدى تحول حياتنا مع هذا الابتكار البيئي المثير. أما الآن فيبدو أن البكتيريا—بمساعدة الهندسة الدقيقة—في طريقها لأن تصبح الحليف الأكبر في الحرب على تلوث البلاستيك.