محرك بلازما روسي جديد قد يختصر رحلة المريخ إلى شهر واحد فقط

4 د
طور علماء روس محرك دفع بلازمي قد يقلص رحلة المريخ لشهر واحد فقط.
يعتمد المحرك على تسريع جزيئات الهيدروجين بسرعات فائقة باستخدام مجال كهرومغناطيسي.
برز المشروع باختباره داخل غرفة فراغ ضخم تحاكي ظروف الفضاء الخارجي.
يتم تشغيل المحرك بمفاعل نووي صغير ويستخدم الهيدروجين لتحسين الأداء.
روسيا تبرز كقوة فضائية بالتكنولوجيا الجديدة رغم عدم دمجها بمهام فضائية كاملة بعد.
في تطور علمي يُعيد رسم ملامح استكشاف الفضاء، أعلن علماء روس عن ابتكار محرك دفع بلازمي حديث يمكنه تقليص رحلة الإنسان إلى كوكب المريخ إلى شهر واحد فقط. هذا النموذج التشغيلي الذي يدخل حيز الاختبار حاليا يمثل نقلة نوعية في تقنيات السفر بين الكواكب، وقد يحمل تأثيرا كبيرا على مشاريع عالمية عملاقة مثل خطط "سبايس إكس" الطموحة للوصول إلى الكوكب الأحمر.
بعيدًا عن الصواريخ التقليدية: كيف يعمل محرك البلازما؟
لندخل في أصل الحدث: المحرك تم تطويره في معهد ترويتسك بمعهد روساتوم للبحوث النووية بموسكو، وهو يعتمد على مبدأ الدفع بالبلازما بدل استخدام احتراق الوقود العادي المعروف حديثًا في الصواريخ. البلازما عبارة عن غاز مؤين يتكون من أيونات الإلكترونات والبروتونات الحرة، ويتحكم فيه هنا مجال كهرومغناطيسي قوي، يقوم بتسريع جزيئات الهيدروجين إلى سرعات فائقة تصل إلى 100 كيلومتر في الثانية (ما يعادل 360 ألف كيلومتر في الساعة تقريبًا). للتوضيح، فإن الصواريخ الكيميائية التقليدية غالبًا ما تبلغ سرعتها القصوى قرابة 4.5 كيلومتر في الثانية فقط بسبب معوقات الاحتراق.
وهذه القفزة الهائلة في سرعة الدفع تعني ببساطة تقليل زمن الرحلة بين الأرض والمريخ من ستة إلى تسعة أشهر، كما هو معتاد حاليا، إلى نحو شهر أو شهرين فقط بالشكل النظري. ولهذا الاختراع انعكاسات مهمة على الأمان أيضًا، إذ يقلص من فترة تعرض رواد الفضاء للأشعة الكونية العميقة، وهي من أكبر المخاطر الصحية في الرحلات الطويلة.
اختبارات حقيقية ونموذج أولي فعّال
يبرز تميز هذا المشروع الروسي في أن النموذج الأولي للمحرك لم يبقَ حبراً على ورق أو فكرة افتراضية فقط، بل صُمم واختُبر داخل غرفة فراغ ضخمة تحاكي ظروف الفضاء الخارجي. وتعمل الوحدة حالياً في وضع خاص يُسمى "النبض الدوري"، بطاقة تصل إلى 300 كيلوواط. يحقق هذا النظام المعدل الأعلى من الدفع بين جميع تقنيات الدفع البلازمي الحالية، حيث يولد قوة تعادل 6 نيوتن تقريبًا. ولمن يتساءل عن الفعالية العملية، فقد حقق هذا المحرك فترة تشغيل متواصلة تصل إلى 2400 ساعة، وهي كافية للقطع المزدوج بين الأرض والمريخ وفق التصورات المبكرة. هذا يجعل المشروع مختلفا عن مشاريع أخرى لم تتجاوز بعد مرحلة المفاهيم أو ما زالت تفتقر لنماذج تجريبية واقعية. وبالعودة إلى نقطة الربط، فإن هذا الإنجاز العملي يُعطي دفعة كبيرة لمصداقية التقنية الجديدة ويدفعها خطوة أقرب نحو الفضاء الحقيقي.
آفاق جديدة وآليات عمل مستقبلية
من المهم الإشارة إلى أن هذا المحرك لا يستبدل الصواريخ الكيميائية المخصصة للإقلاع من الأرض، بل يبدأ عمله عند دخول المركبة إلى مدارها حول الكوكب. القوة الكهربائية اللازمة للتشغيل ستأتي غالبا من مفاعل نووي صغير على متن المركبة الفضائية، ما يشكل تحديات هندسية وأمنية، ولكنه يتيح استمرار عمل المحرك لفترات طويلة وتأمين الطاقة المستدامة.
ويكتسب اختيار الهيدروجين، وهو أبسط عنصر في الجدول الدوري وأكثرها وفرة في الكون، أهمية خاصة في هذه المنظومة الجديدة. فبفضل كتلته المنخفضة وديناميكيته العالية، يمكن تسريعه بجهد أقل مقارنة بالعناصر الأخرى، مما يقلل الاستهلاك ويرفع الأداء. أضف إلى ذلك أن التصميم لا يحتاج إلى درجات حرارة مرتفعة في البلازما، ما يطيل من عمر الأجزاء الميكانيكية ويقلل أعطال التآكل الحراري.
سباق الابتكار.. أين يقف المشروع الروسي مقارنة بالعالم؟
لو نظرنا إلى السياق الدولي، نجد أن محركات البلازما تُستَخدم بالفعل في مهام فضائية حديثة مثل أقمار "ون ويب" الصناعية ومسبار ناسا "سايكي". لكن معظم تلك المحركات توفر دفعًا أقل بكثير (بسرعات خروج للجسيمات بين 10 و50 كم/ث فقط)، بينما يدّعي الباحثون الروس أنهم ضاعفوا هذه السرعة على الأقل، ما يمنحهم أفضلية نوعية واضحة، إن تأكدت نتائجهم في أبحاث مستقلة. هذه المنافسة تشتد خاصة مع خطط شركة "سبايس إكس" التي تسعى للسيطرة على طرق السفر إلى المريخ، وتؤشر إلى حقبة جديدة بدأت تتحرك فيها روسيا بسرعة لافتة في مضمار الفضاء المعاصر.
وكما تتابعون، يظل الواقع العلمي في انتظار مراجعة تقنية مستقلة لمتانة نتائج الاختبارات، وفي نفس الوقت، لم تبدأ بعد عمليات دمج المحرك الروسي الجديد ضمن مهام فضائية عملية كاملة. غير أن حقيقة وجود نموذج أولي يعمل تحت التجربة في مختبر حقيقي تعكس حراكاً علمياً نشطاً، وليست مجرد رؤى نظرية.
آفاق ومستقبل… كيف نقرأ المشهد القادم؟
بصورة عامة، يبدو أن سباق استيطان المريخ والتوسع في استغلال الفضاء سيشهد تحولات مهمة مع تقنيات الدفع البلازمي. ما زال هناك الكثير من العمل اللازم لإثبات جدوى الحل الروسي ومتانته في الظروف الواقعية للرحلات البعيدة، ولكن من الواضح أن المبادرات الجريئة كهذه تسرّع الخطى نحو مستقبل لن يعود فيه المريخ بعيد المنال. وربما سيكون من المفيد زيادة دقة المصطلحات عند طرح بعض جوانب الدفع البلازمي، أو تعزيز الربط بين مشاريع الدول المختلفة لفهم حجم المنافسة وتكامل التطويرات، إلى جانب الاهتمام بإدخال المزيد من الشروحات حول التحديات التقنية للرحلات بين الكواكب لكي تزداد الصورة وضوحًا أمام القارئ.
بهذه القفزة العلمية، تبرز روسيا مجددًا كقوة فضائية لها وزنها، وتدفع الجميع للتساؤل: هل سنشهد رحلات إلى المريخ بعد أعوام بدلاً من عقود، أم تستمر العقبات في إبطاء أحلام البشرية؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.