ذكاء اصطناعي

محرك تطوّر خارق: تقنية تسرّع هندسة البروتينات الطبية بـ100 ألف مرة من الطبيعي

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تكنولوجيا T7-ORACLE تسرّع هندسة البروتينات الطبية 100 ألف مرة.

تسمح التقنية بتطوير بروتينات علاجية وإنزيمات مقاومة للمضادات الحيوية بسرعة فائقة.

تعتمد المنصة على بكتيريا الإشريكية القولونية وتستخدم نظام تكاثر وراثي معدل.

النظام يناسب المختبرات العادية ويعزز دراسة مقاومة المضادات الحيوية بفعالية.

تهدف الأبحاث المستقبلية لتوسيع التقنية لتشمل تصميم بروتينات لأغراض طبية متنوعة.

تخيّل لو كان بإمكان العلماء تطوير بروتينات جديدة لمكافحة الأمراض بسرعة صاروخية، بدلًا من الانتظار لأشهر حتى تظهر النتائج. هذا الحلم أصبح أقرب إلى الواقع بفضل اختراع منصة تكنولوجيا حيوية جديدة من معهد سكريبس للأبحاث في الولايات المتحدة، أُطلق عليها اسم “T7-ORACLE”. هذه التقنية المبتكرة تسرّع عملية تطوّر البروتينات داخل الخلايا أضعاف ما يحدث في الطبيعة، الأمر الذي يبشّر بثورة في علاج السرطان والأمراض العصبية وغيرهما من التحديات الطبية.

في عالم الطب والتكنولوجيا الحيوية، يعتبر “توجيه التطوّر” من الأدوات الأساسية لتوليد نسخ متميزة من البروتينات ـ سواء كانت أجسامًا مضادة، أو إنزيمات علاجية، أو أدوات لدراسة مقاومة الأدوية. لكن العائق الأكبر أمام هذه التقنيات يكمن في البطء والتكلفة وكثرة الخطوات اليدوية التي تتطلبها. هنا، يأتي دور “T7-ORACLE”، الذي يعد بمثابة زر لتسريع شريط الزمن في التطور البيولوجي، كما يقول بيت شولتز، أحد كبار الباحثين وراء التقنية. إذ يوفر للعلماء القدرة على تسريع وتيرة الطفرات والاختيار داخل الخلية بشكل مستمر، ومن دون المساس بجينات الخلية الأصلية ولا الحاجة لإجراءات مجهدة ومكلفة.


كيف تعمل منصة T7-ORACLE؟

لفهم مدى نقلة T7-ORACLE النوعية، يمكنك أن تتخيلها كمحرّك تطوّر مستقل يعمل داخل بكتيريا معروفة باسم الإشريكية القولونية (E. coli). الباحثون استعاروا جهازًا للتكاثر الجيني من أحد الفيروسات البكتيرية الشهيرة (T7)، وركّبوه كمحرك موازٍ منفصل تمامًا عن الجينات الأصلية للخلية. بهذا الأسلوب، يتم استهداف الجين الذي يريد العلماء تطويره على شكل بلازميد (دائرة صغيرة من الحمض النووي)، ويقوم إنزيم التكرار المعدّل من الفيروس بنسخ الجين مع إدخال كميات ضخمة من الطفرات ـ بمعدلات تصل إلى ١٠٠ ألف ضعف ما يحدث طبيعيًا ـ مع إبقاء جينوم البكتيريا سليمًا بلا ضرر.

وهنا تتلاقى ميزة السرعة مع سهولة التطبيق، إذ بات بالإمكان تطوير بروتين أو إنزيم جديد في أيام معدودة بدلًا من دوامات لا تنتهي من التعديل والاختبار تستغرق شهورًا أو أكثر. الأمر الذي يجعل النظام مثاليًا لتطوير الأدوية، وحتى دراسة تطوّر مقاومة المضادات الحيوية.

انتقالًا من الجانب التقني، ما يميز منصة T7-ORACLE حقًا هو قدرتها على العمل بالتوازي مع الأساليب المعتادة في المختبرات. فهي تعتمد على تقنيات بسيطة تُستخدم يوميًا في علوم الأحياء الجزيئية، بعيدًا عن أي معدات أو تجهيزات خاصة. بذلك، يمكن لأي مختبر اعتاد العمل على E. coli أن يدمج هذه المنصة بسهولة في تجاربه الحالية.


اختبارات مذهلة ونتائج واقعية

ولإثبات قدرة التقنية، بدأ العلماء بتطوير إنزيم مقاوم للمضادات الحيوية، وهو بروتين شائع يُدعى TEM-1 β-lactamase. أدخلوا هذا الجين في نظام T7-ORACLE ثم عرضوا البكتيريا لجرعات متزايدة من المضادات. النتيجة كانت مذهلة: خلال أسبوع واحد فقط نشأت نسخ من الإنزيم قادرة على مقاومة جرعات مضاد حيوي تفوق الحد الطبيعي بخمسة آلاف مرة! ليس ذلك فحسب، بل إن الطفرات التي نتجت طابقت ـ بل وتجاوزت ـ الأنواع التي تظهر فعلًا في المستشفيات عند علاج المرضى، كما أشار كريستيان ديركس الباحث المشارك.

وهذه النتيجة بدورها تبرز كيف يمكن للاستفادة مستقبلًا توسيع نطاق التقنية، من تطوير بروتينات علاجية معقدة إلى تجربة سيناريوهات مقاومة الأدوية بسرعة غير مسبوقة. وهناك ارتباط وثيق هنا بين الرؤية المستقبلية التي يحملها فريق سكريبس والهدف الأكبر في عالم الهندسة الوراثية، حيث لم يعد التطور حكرًا على لعبة الصدفة في الطبيعة، بل أصبح أداة قابلة للتوجيه والتحكم.


مستقبل التطوير السريع للبروتينات العلاجية

ما يجذب الإعجاب حقًا في نظام T7-ORACLE أنّه مفتوح الإمكانيات لأي هدف بحثي تقريبًا: يمكن إسقاط أي جين ـ من مصدر بشري أو فيروسي أو غيره ـ وتطويره بسرعة حسب الغرض الطبي أو البحثي. هذا يعني أن إمكانية تطوير أجسام مضادة متخصصة ضد أمراض السرطان باتت أقرب، كما أصبح بالإمكان هندسة إنزيمات أكثر فاعلية لعلاج أمراض نادرة، أو حتى تصميم بروتيازات تستهدف البروتينات المرتبطة بالأورام والأمراض العصبية.

ذو صلة

وبينما نغوص أعمق في عالم البروتينات المصممة خصيصًا، قد تتجه الأبحاث مستقبلًا إلى ما هو أبعد من الحمض النووي الطبيعي: الباحثون يطمحون لاستغلال منصة T7-ORACLE لتسريع تطوير أنزيمات قادرة على نسخ شيفرات جينية كيميائية جديدة كليًا، ما يفتح الأبواب أمام “الجينومات الصناعية” وتقنيات الطب الدقيق الحديثة.

في خاتمة المطاف، يبدو أن منصة T7-ORACLE تمثل جسرًا جديدًا يصل بين التفكير المنهجي وهندسة البروتينات السريعة، وهو ما يسمح باكتشاف علاجات مستقبلية بسرعة وكفاءة. ولو تم تضييق التركيز أكثر نحو جانب التطبيقات السريرية أو إضافة لمحة حول التحديات الأخلاقية المحتملة، لزاد وضوح الرسالة. وربما لو استُبدلت بعض الكلمات المتخصصة بمرادفات مألوفة أكثر، ستصبح التقنية المبهرة هذه أقرب للقارئ العادي وأكثر التشويق في الحديث العلمي اليومي.

ذو صلة