محرك كهربائي بدون نحاس ولا لفائف..ابتكار مجنون أصبح حقيقة

3 د
نجح باحثون في KIST في استبدال الأسلاك النحاسية بأنابيب الكربون النانوية.
يوفر استخدام الكربون النانوي مرونة وخفة وزن لا مثيل لها.
تقنية LAST ترتب الأنابيب بدقة لزيادة التوصيل بنسبة 130%.
تواجه التقنية تحديات في التكلفة والبيئة مقارنة بالنحاس التقليدي.
قد تغيّر هذه الأسلاك مستقبل السيارات الكهربائية برفع الكفاءة وتقليل الوزن.
في خطوة علمية قد تفتح الباب لعصر جديد من التكنولوجيا الكهربائية، نجح فريق من الباحثين في المعهد الكوري للعلوم والتكنولوجيا (KIST) في استبدال الأسلاك النحاسية التقليدية، التي نعرفها جيدًا في المحركات الكهربائية، بأسلاك مبتكرة مصنوعة من أنابيب الكربون النانوية. هذه المادة الخفيفة للغاية والجديدة تمامًا تستخدم تقنية فريدة من نوعها تسمى "تقنية تشكيل السطح بمساعدة البلورات السائلة" أو "LAST"، والتي تسمح للأسلاك أن تكون مرنة وخفيفة الوزن وغير معدنية تمامًا.
هذه الأسلاك ذات البنية المركبة، والمعروفة اختصارًا بـ CSCEC، لا يتجاوز سُمكها ربع ملليمتر تقريبًا بما فيها العزل، أي أن تخيّل سماكتها يشبه سماكة بطاقة أعمال! ورغم ذلك، استطاعت بالفعل توفير الطاقة اللازمة لمحرك كهربائي صغير يسيّر سيارة نموذجية في تجارب أجريت مؤخرًا. وقد أكد الدكتور داي يون كيم عضو الفريق البحثي، أن الابتكار الفريد في استخدام أنابيب الكربون النانوية مكّن الفريق من تطوير محرك كهربائي يعمل بكفاءة دون الاعتماد على أي معادن.
وللتحقيق في سر نجاح هذه التقنية الجديدة، كان لابد أن نتعمق قليلًا في تفاصيل العملية المعروفة بتقنية "LAST". باختصار، يتم استخدام سائل بلوري له خصائص رائعة تجمع بين حركة السوائل الطبيعية وبين انتظام شكل الكريستال، مما يساعد على فصل وترتيب أنابيب الكربون النانوية بشكل مثالي، مع إزالة الشوائب المعدنية التي قد ترافق إنتاجها الأصلية. هذه التقنية أعطت نتائج واضحة، فأظهرت زيادة كبيرة في قدرة التوصيل الكهربائي بنحو 130% مقارنة بمحاولات سابقة، وأيضاً خفضت من الوزن والكتلة بشكل ملحوظ، دون الآثار الجانبية المعتادة كفقد الكفاءة مع مرور الوقت.
هذه القفزة التكنولوجية قد تبدو للوهلة الأولى تغييرًا بسيطًا، لكنها في الحقيقة تحمل إمكانات واعدة للغاية في صناعة السيارات الكهربائية والطيران، حيث يمثل كل كيلوغرام تخفضه من كتلة المحرك أو الأسلاك ارتفاعًا محتملاً في الكفاءة والأداء. فمثلًا، لو طبقنا هذه التكنولوجيا نظريًا على سيارات عصرية مثل سيارة تسلا، لكنا قادرين على تخفيض عشرات الكيلوغرامات من الوزن الأساسي، ما سينتج عنه تحسينات كبيرة في استجابة السيارة، وزيادة في عمر البطارية ومدى السير. واختصارًا، إنه تأثير تراكمي قد يكون له مردود ملموس لكل من يبحث عن الأداء والكفاءة.
ومع ذلك، فالطريق من المختبر إلى الشارع ليس ورديًا تمامًا. لا تزال هنالك عقبات مهمة قد تواجه هذه التقنية مستقبلاً. فمثلًا، بالحديث عن الأداء الكهربائي الخام، يبقى النحاس متفوقًا حتى الآن بقيم التوصيل التي تقدر بعشرات الملايين من وحدات "الميغاسيمنز لكل متر"، في حين توفر أسلاك الكربون النانوية قيمًا أقل بكثير حاليًا. كما أن تكاليف إنتاجها أغلى بكثير من نظيرتها المصنوعة من النحاس، الأمر الذي يتطلب حلولًا واعدة تراعي التكلفة الاقتصادية عند توسيع نطاق استخدام هذه التقنية.
وإلى جانب التكلفة المالية المرتفعة، قد تواجه هذه التقنية تحديات بيئية مرتبطة بإنتاج أنابيب الكربون النانوية، التي تُستخرج غالبًا من مشتقات البترول وبعمليات عالية الطاقة، ما قد يجعلها أقل استدامة مما نأمل. لذا، من الضروري أن يقوم العلماء بمزيد من التطوير والبحث لتقليل الآثار البيئية السلبية المصاحبة لهذه العمليات، وجعل التقنية أكثر استدامة وأكثر تنافسية من الناحية التجارية.
وبالعودة إلى أرض الواقع، هذه التقنية الجديدة لأسلاك أنابيب الكربون النانوية قد لا توفّر حلاً سريعًا مباشراً لكل تحدياتنا الحالية، لكنها دون شك خطوة كبيرة للأمام. ولو ركّز العلماء في المرحلة المقبلة على رفع كفاءة التوصيل وخفض تكاليف الإنتاج، وحل بعض التحديات البيئية عبر تطوير عمليات كيميائية أكثر أماناً وصداقةً للطبيعة، فقد نرى انتشارًا واسعًا لهذه المادة المتطورة في عالمنا اليومي مستقبلاً. في النهاية، قد يكون استبدال النحاس يومًا ما بأنابيب الكربون النانوية أكثر من مجرد فكرة واعدة—بل حقيقة ثورية بكل معنى الكلمة.