محطة شمسية عملاقة في الفضاء: الصين تستعد لإطلاق ثورة جديدة في مجال الطاقة النظيفة

4 د
الصين تطلق أول محطة طاقة شمسية فضائية في العالم، خطوة ثورية للطاقة المتجددة.
المحطة ستجمع الطاقة الشمسية باستمرار وتعيد إرسالها للأرض ككهرباء.
تواجه المحطة تحديات تقنية وأمنية في نقل الطاقة لمسافات طويلة عبر الميكروويف.
تهدف الصين للتحول إلى قوة محورية في الطاقة النظيفة وتعزيز مكانتها الجيوسياسية.
ستساهم هذه التقنيات في مشاريع مستقبلية أكبر مثل المستوطنات الفضائية.
تخيّل لو أمكننا التقاط نور الشمس بلا توقف، ثم إرساله مباشرة إلى الأرض مهما كانت الأحوال الجوية أو الوقت. هذا الحلم يتحوّل إلى حقيقة مع الإعلان الكبير من الصين بإطلاق أول محطة طاقة شمسية فضائية في العالم، في بداية عهد جديد للطاقة المتجددة ونقلة نوعية قد ترسم مستقبل الطاقة المستدامة العالمي.
في ظل تزايد التحديات المناخية وارتفاع الطلب العالمي على مصادر الطاقة الخضراء، تمضي الصين بخطى واثقة في تنفيذ مشروع يعدّه البعض ثورة في مجال الطاقة النظيفة. المحطة، المخطط إكمالها بنهاية هذا العقد، ستدور على ارتفاع أكثر من 36 ألف كيلومتر عن سطح الأرض، حيث يمكنها استقبال أشعة الشمس بشكل مستمر دون انقطاع بسبب السحب أو تعاقب الليل والنهار. الطاقة التي ستجمعها المحطة ستُحوّل لاحقاً إلى موجات ميكروويف أو أشعة ليزر وتُنقل إلى الأرض، لتتم إعادة تحويلها إلى كهرباء يمكن دمجها ببساطة في شبكات الطاقة التقليدية.
وهنا تظهر الأهمية الاستثنائية لهذا المشروع، ليس فقط في قدرته على مد المناطق النائية بالطاقة، بل أيضاً في كونه خطوة استراتيجية للاستغناء الجزئي عن الفحم الحجري والنفط، وتدعيم أمن الطاقة خاصة في المناطق التي تعاني من قلة الإشعاع الشمسي أو ضعف البنية التحتية. من الجدير بالذكر أنّ هذه التقنية، المعروفة بطاقة الشمس من الفضاء، طُرحت فكرتها منذ ستينيات القرن الماضي، لكن الصين هي أول من يرتقي بها من النظرية إلى التطبيق الفعلي.
تحديات نقل الطاقة من الفضاء
من الطبيعي أن مشروعاً بهذا الحجم يواجه معوقات ضخمة، أبرزها قضايا الأمان والكُلفة والتقنيات المطلوبة. فإرسال أشعة ميكرويف أو ليزر لمسافات طويلة ليس بالأمر البسيط، إذ لابد أن تكون كثافة الطاقة آمنة للبشر والحيوانات والطائرات. ورغم تطمينات العلماء بأن كثافة الأشعة ستكون منخفضة، إلا أن المخاوف لم تختفِ تماماً بعد. إضافة إلى ذلك، تعتمد فعالية المشروع على مستويات عالية من الكفاءة في تحويل الطاقة الشمسية إلى أشعة ثم إلى كهرباء مرة أخرى، ما يتطلب ابتكارات هندسية متقدمة لتقليل فقدان الطاقة أثناء النقل.
هذا الربط بين الإنجاز التقني والطموح البيئي يسلط الضوء أيضاً على التكلفة الباهظة لإطلاق معدات ضخمة إلى الفضاء، بجانب تعقيد إدارة الأجسام الكبيرة المدارية وحمايتها من الحطام الفضائي المتزايد.
وبينما تواصل الصين العمل على محطتها الجديدة، تراقب وكالات الفضاء العالمية مثل وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء اليابانية التطورات عن كثب، فالمنافسة جارية بالفعل في مضمار الطاقة الشمسية الفضائية. حتى وزارة الدفاع الأمريكية مهتمة بهذه الأبحاث، بالرغم من أن تركيزها ينصب أكثر في الوقت الحالي على الاستخدامات العسكرية للطاقة في الميدان.
سباق ريادة عالمي ووجهة نظر جيوسياسية
التفات العالم إلى هذا المشروع ينبع من خطورته الاستراتيجية بجانب إبداعه العلمي. إذ يرى بعض الخبراء أن الصين قد تتحول إلى "أوبك الطاقة الشمسية الفضائية"، لتصبح دولة محورية في تصدير الطاقة النظيفة، ما يعزز مكانتها الجيوسياسية ويدعم ريادتها في ميدان التكنولوجيا المستدامة. صحيح أن هناك من يحذر من إمكانية تسليح هذه التقنيات، لكن الصين تؤكد مراراً سلمية أهدافها، بل وتطرح المشروع كجزء من التزاماتها بخفض انبعاثات الكربون وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2060.
هذا الاهتمام الصيني لم يبقَ حبراً على ورق، فقد نجحت فرق بحثية محليّة بتنفيذ تجارب نقل طاقة لاسلكية على نطاق مصغّر، وخططت لإطلاق مشروع تجريبي مداري بحلول 2028، على أن يتبع ذلك نظام إنتاج بطاقة واحد ميغاواط بحلول 2030، وتوسيع المشروع تجارياً في العقد الرابع من القرن الحالي.
يمتد تأثير هذه التقنيات الواعدة، مثل نقل الطاقة لاسلكياً والبناء المداري المتقدّم، ليخدم لاحقاً مشاريع أخرى كمحطات استيطانية على سطح القمر أو المريخ، ما يكرّس التوجّه للابتكار على نطاق كوكبي وليس على مستوى الأرض فقط.
بين إمكانيات هائلة وتحديات ضخمة، ترسم الصين اليوم ملامح مشهد جديد للطاقة يطمح إلى تزويد الجميع بالكهرباء النظيفة بشكل مستمر وآمن. وعلى الرغم من الحاجة لإحراز مزيد من التقدم في فعالية تحويل الطاقة وتقليل الكلفة وتعزيز أمان النقل، فإن المشروع يعطي دفعة قوية للحلم بعالم يخفف وطأة التغير المناخي ويخلق فرصاً جديدة للدول الفقيرة في البنية التحتية.
إذا كان باستطاعتنا يوماً ما التقاط الطاقة الشمسية من الفضاء بشكل متواصل وفعال، فقد لا يعود البحث عن طاقة متجددة متقطع أو مرتبط بموقع جغرافي. وبالعمل على تحسين كل من كفاءة تحويل الطاقة وصياغة عبارات الربط، يمكن لهذا الطموح أن يقربنا أكثر من واقع مستدام ومضيء للجميع.