مراكز البيانات تلتهم الأرض… والفضاء قد يكون الملاذ الأخير!

3 د
تستهلك مراكز البيانات العملاقة كميات هائلة من الكهرباء والمياه وتزيد الاعتماد على الوقود الأحفوري.
يتوقع ارتفاع الطلب على الطاقة بنسبة 165% بحلول 2030 بسبب توسع مراكز البيانات.
يقترح بعض الخبراء نقل مراكز البيانات للفضاء لتقليل الأثر البيئي.
تواجه الفكرة تحديات تقنية مثل الإشعاع وصعوبة الصيانة في الفضاء.
تشير بعض المدن إلى الفضاء كحل سياسي لتجنب الصدامات المجتمعية حول الموارد.
في سباق الذكاء الاصطناعي المحموم، تتوسع شركات التقنية العملاقة في بناء مراكز بيانات هائلة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء والمياه، وتزيد الاعتماد على الوقود الأحفوري. ومع توقعات بارتفاع الطلب على الطاقة بنسبة قد تصل إلى 165% بحلول عام 2030، يطرح البعض سؤالاً جريئاً: ماذا لو نقلنا هذه المراكز إلى الفضاء؟
تأتي هذه الفكرة من أسماء بارزة مثل سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، الذي لم يُخف قناعته بأن العالم سيغرق تدريجياً في بحر من مراكز البيانات العملاقة. وبينما يخشى الناشطون البيئيون من الآثار المدمرة لهذا التوسع على المناخ والموارد الطبيعية، يلمّح ألتمان إلى أن الحل قد يكون خارج حدود الأرض نفسها. وهذا يقودنا لبحث أوسع حول من يؤمن بإمكانية ابتكار “مدن معلوماتية” تدور في الفضاء.
من “وادي السيليكون” إلى المدار الأرضي
مراكز البيانات اليوم باتت البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي، حيث تضم آلاف الخوادم وتستهلك أضعاف ما تستهلكه بعض المدن من كهرباء. ولا يقتصر التفكير على ألتمان وحده؛ فشخصيات مثل جيف بيزوس وإيريك شميت تراهن أيضاً على مشاريع مراكز بيانات فضائية. بينما تصل بعض التصورات إلى استلهام نموذج “كرة دايسون” التي تحيط بالشمس لتوليد الطاقة، هناك خطط أكثر واقعية بدأت تجمع التمويل عبر شركات ناشئة مثل Starcloud وAxiom وLonestar. وهذا يربط بين أحلام الخيال العلمي وواقع الأعمال اليومي لشركات التقنية.
لكن قبل أن تبدو هذه الرؤية قابلة للتنفيذ، تظل هناك أرقام صادمة على الأرض: أكثر من 5400 مركز بيانات تعمل في الولايات المتحدة وحدها، ومن المتوقع أن تستهلك ما يصل إلى 12% من الكهرباء الوطنية بحلول 2028. فوضع جزء من هذه المنشآت في الفضاء قد يبدو حلاً سحرياً، يوفر طاقة شمسية دائمة ويخفف التلوث الهوائي والضوضاء والمائي على المجتمعات القريبة من مواقع التشغيل. وهذا يفتح الباب لمقارنة مباشرة بين التكلفة والأثر البيئي.
التقنية ممكنة… لكن ليست خالية من العقبات
العلماء بدورهم لا يستبعدون الفكرة. البروفيسور علي حجيميري من معهد كاليفورنيا للتقنية اقترح عام 2016 براءة اختراع لمركز بيانات في الفضاء، واليوم يواصل تطوير مقترحات تعتمد على الألواح الشمسية خفيفة الوزن بتكلفة قد تصل إلى 10 سنت للكيلوواط/ساعة. تراجع تكاليف الإطلاق وزيادة كفاءة الطاقة يجعلانها فكرة أقرب إلى الجدية. لكن التحديات كبيرة: الإشعاع الفضائي، صعوبة الصيانة، واحتمال تقادم التكنولوجيا بسرعة. وهذا يربط بين الطموحات التجارية والمعوقات العلمية التي قد تعطل الانتقال من النظرية إلى التطبيق.
السياسة على الأرض تدفع نحو السماء
حتى في الأوساط السياسية المحلية، تطرق البعض للفكرة. ففي توكسون بولاية أريزونا، أعربت عضوة المجلس البلدي نيكي لي عن أن البحث في المراكز الفضائية قد يكون بديلاً وطنياً جديراً بالاستثمار، بعدما رُفض مشروع محلي بسبب مخاوف من استنزاف المياه والطاقة. هذه المواقف تكشف أن الفضاء بات مطروحاً ليس فقط كخيار ابتكاري، بل كحل سياسي للهروب من صدامات مجتمعية على الأرض. وهذا يعكس كيف يتحول “الخيال العلمي” إلى عنصر في القرارات العملية.
اقتصاديات الفضاء بين الواقع والطموح
رغم الحماس، لا يزال إنشاء مركز بيانات في الفضاء أغلى بكثير من تشييد واحد في “وادي البيانات” بولاية فيرجينيا. لكن هناك دافع خفي قد يشجع الشركات: غياب التنظيم الصارم في الفضاء مقارنة بالشروط الصعبة للحصول على تراخيص على الأرض. فبينما يحتج السكان على استنزاف الموارد أو ارتفاع الفواتير، لا يوجد في المدار جار يشتكي أو مجلس بلدي يعترض. هذا التفاوت قد يغري مستثمري الذكاء الاصطناعي بالتفكير بجدية أكبر في الانطلاق نحو الأعلى.
الخاتمة
بينما يتأرجح الجدل بين الطموح العلمي والكلفة الاقتصادية والعوائق البيئية، يبدو أن حلم “مراكز البيانات الفضائية” لم يعد ضرباً من الخيال العلمي بل احتمالاً تقنياً وسياسياً قيد الدراسة. هل تصبح أقمار صناعية مأهولة بالخوادم جزءاً من بنيتنا التحتية خلال العقود القادمة؟ الجواب لم يتضح بعد، لكن المؤكد أن الأرض وحدها قد لا تحتمل إلى الأبد شغف الذكاء الاصطناعي النهم للطاقة والموارد.