من الخوف إلى الإنقراض: كيف أصبح القرش في مواجهة تهديد البقاء بعد خمس عقود من الفك المفترس؟

3 د
بعد خمسين عامًا من فيلم "الفك المفترس"، تواجه أسماك القرش خطر الانقراض اليوم.
تراجعت أعداد أسماك القرش وأسماك الراي بنسبة 70% منذ السبعينيات.
الدراسات الحديثة تشير إلى أن العامل البشري هو المسبب الرئيسي لهذا التراجع.
دول بدأت بحظر صيد القرش وتطبيق قوانين لحمايتها من الانقراض.
تصاعد الوعي البيئي قد يحول الخوف إلى احترام لهذه الكائنات الحيوية.
قبل خمسين عاماً، بالتحديد في يونيو عام 1975، عرض فيلم "الفك المفترس" أو "Jaws"، الفيلم الذي أرعب الملايين، وصوّر أسماك القرش كمخلوقات مخيفة تفترس البشر بلا رحمة، لينتشر إثر ذلك خوف وقلق عام لدى الناس تجاه هذه الكائنات البحرية الغامضة. لكن ما الذي حدث خلال العقود الخمسة الماضية؟ وما هو واقع أسماك القرش اليوم؟
يشير العلماء اليوم إلى واقع صادم محزن، فقد انقلب الحال تماماً. لم يعد البشر هم من يخشون أسماك القرش، بل باتت هذه الحيوانات المفترسة، والتي عاشت بسلام على كوكبنا لمئات الملايين من السنين، تواجه اليوم خطر الانقراض. فوفقاً لدراسات حديثة من قبل الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN، تراجعت أعداد أسماك القرش وأسماك الراي التي تنتمي لنفس العائلة بأكثر من 70% منذ سبعينيات القرن الماضي، وأصبح ثلث أنواعها مهدداً بشكل خطير بالانقراض.
وهذا يسلط الضوء على المسبب الرئيسي لهذا التراجع المؤلم؛ العامل البشري. إذ أدت عمليات الصيد الجائر، سواء المتعمدة أو العرضية، إلى تدمير مروع لمجتمعات هذه الأسماك. فلم تعد الأفلام هي التي تقتلها، بل أصبحت شبكات الصيد الطويلة والشباك العملاقة والخطافات التي تستهدف أنواعاً أخرى من الأسماك، تهدد وجودها بشكل حقيقي. فبينما يتم اصطياد حوالي ربع أسماك القرش عن قصد، تقع ثلاثة أرباعها الباقية ضحايا كصيد ثانوي غير مرغوب به.
ومن الجوانب المثيرة في هذه القصة الحزينة أن طريقة حياة هذه المخلوقات تزيد من صعوبة عودتها للحياة الطبيعية بعد التدهور الكبير الذي لحق بها. فأسماك القرش تعتمد على دورة حياة بطيئة للغاية، من نمو بطئ وتأخر في فترة النضج، إضافة إلى إنجاب عدد قليل من الصغار، وهو ما يجعلها عاجزة عن التعافي سريعاً من خطر الانخفاض الحاد في الأعداد.
وفي محاولة لتغيير النظرة السلبية تجاه هذه الكائنات وتصحيح مسار العلاقة بين البشر والقرش، يتحدث ناشطون بيئيون وعلماء حول العالم اليوم عما حدث مع الكائنات البحرية الأخرى مثل الحيتان، وكيف تحولت مشاعر الخوف القديمة إلى تعاطف ودعم للحملات البيئية لحماية هذه المخلوقات. بالفعل، نجحت الحملات التوعوية في رفع الوعي، ووصلت قيمة السياحة الخاصة بالحيتان لمليارات الدولارات سنوياً. ويشير خبراء البيئة إلى إمكانية تطبيق استراتيجية مماثلة لأسماك القرش، لتكون حيةً في البحار بدلاً من أن تصبح طعاماً أو منبوذة على طاولات الصيادين.
وفي تطور إيجابي ملموس، بدأت بعض الدول فعلياً بحظر صيد القرش لأهداف تجارية، وتبنت قوانين صارمة لمنع عمليات قطع الزعانف الوحشية، التي تتمثل في قطع زعنفة القرش وإلقائه في الماء ليموت ببطء. فقد كان لحملة ناجحة مثل التي قادها نجم كرة السلة ياو مينج في الصين، أثر كبير في تقليل استهلاك شوربة زعانف القرش وإقناع السلطات الصينية بحظر هذه الممارسة اللاإنسانية.
وفي أماكن أخرى حول العالم، مثل خليج كاليفورنيا في المكسيك وجزر بولينيزيا الفرنسية، بدأت بعض مجتمعات الصيد التقليدية بتحويل نشاطها من الصيد إلى السياحة البيئية والبحث العلمي عن القرش وأسماك الراي، كوسيلة بديلة لكسب الرزق وللمساهمة في إنقاذ الأنواع المهددة، مثل قرش المطرقة الأسقفي والقرش الأبيض الكبير وقرش الحوت الضخم، من خطر الاختفاء الكامل.
ختاماً، بعد خمسة عقود من نشر فيلم "الفك المفترس"، يواجه القرش اليوم رعبه الخاص، رعب الانقراض والاختفاء من بحارنا ومحيطاتنا. وأصبح من المهم اتخاذ خطوات فعالة لتحويل الخوف من القرش إلى احترام وتقدير وتفهم لدوره الحيوي في الحفاظ على صحة البيئة البحرية. هذا لن يتحقق إلا برفع الوعي، وتحسين ممارسات الصيد، وتشجيع السياحة البيئية، وتعزيز الدور الاجتماعي والثقافي للقرش في مجتمعاتنا. هكذا فقط يمكننا حماية هذه الكائنات والإبقاء على وجودها لأجيال قادمة، بدلاً من أن تتحول أسماك القرش إلى مجرد ذكرى على شاشة سينما قديمة، أو صفحات كتاب تأريخي يحكي حكايات الكائنات المنقرضة.