ذكاء اصطناعي

من ذكر إلى أنثى في لحظة: اكتشف كيف تتحكم التسلسلات الاجتماعية في أسماك المهرج

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تعيش أسماك المهرج في نظام اجتماعي تحت سيطرة "ملكة" تتزعم المجموعة.

تتغير الأدوار في المجتمع عندما تموت الأنثى المهيمنة ويتحول الذكر الأكبر لأنثى.

تتعاون أسماك المهرج مع شقائق النعمان للحماية وتوفر المأوى والفرص.

تتحكم هذه الأسماك في معدل نموها وفقًا لمكانتها الاجتماعية.

تعكس هذه الاكتشافات تعقيدات السلوك الاجتماعي وعلم التعايش بين الكائنات البحرية.

بينما يستحضر كثيرون صور سمكة نيمو الودودة ووالدها في أفلام ديزني الشهيرة، تكشف الحقائق العلمية عن حياة أكثر غرابة وتعقيداً يعيشها سمك المهرج في أعماق البحار. بعيداً عن القصص الخيالية، يقضي الباحثون سنوات طويلة لدراسة سلوك هذه الكائنات الملونة، خاصةً علاقتها بنجوم البحر وشقائق النعمان، وبحثهم المستمر عن إجابات لأسئلة محيّرة.

يقول الدكتور بيتر بوستون، أستاذ علم الأحياء في جامعة بوسطن الأمريكية، والذي أمضى أكثر من عشرين سنة يراقب هذا النوع داخل مختبره وفي الشعاب المرجانية، إن سر حياة المهرج يكمن في النظام الاجتماعي الذي لا مثيل له. فهو مجتمع له تسلسل واضح وطبقات صارمة؛ المجموعة الواحدة قد تضم حتى ستة أفراد، لكنها لا تربطهم بالضرورة صلة قرابة كما تصوّر لنا الأفلام. هنا تبدأ القصة الحقيقية: تتزعم المجموعة دائماً أنثى كبيرة توصف بأنها "ملكة" السمكة، وهي الوحيدة التي تتزاوج، أما البقية فيصطفون على سلم السلطة ويتنافسون بطرق هادئة غالباً، لكن جسدهم يفضح موقعهم الاجتماعي بحجمهم وألوانهم.

من المثير معرفة أن جميع أسماك المهرج تولد ذكوراً فقط، وعندما تموت الأنثى المسيطرة، يتحول أكبر ذكر فوراً لأنثى ويتولّى القيادة. هكذا تترتب الحياة: كلما اختفت السمكة الأكبر، تقدّم التالية في الترتيب خطوة للأمام، بانتظار فرصة الصعود إلى القمة. وربما المفاجأة أن هذه الأسماك قادرة حتى على ضبط معدل نموها كي لا تتعدّى حجم أفراد رتبتها، فيحدث انسجام غريب داخل مستعمرة الشعاب المرجانية.


علاقة فريدة مع شقائق النعمان

هذه البنية الاجتماعية الصارمة تندمج مع شراكة مذهلة تربط المهرج بشقائق النعمان. في هذا التعاون البيئي، تحمي الأخيرة الشريك الصغير من أعدائه بواسطة مجساتها الحارقة بينما يُفرز المهرج طبقة مخاطية خاصة تحميه من السم. في المقابل، تقدم ألوان السمكة الجذابة طُعماً بصرياً للأسماك المفترسة فتقع فريسة لشقائق النعمان. وتؤكد أبحاث الفريق في جامعة بوسطن أن هذا التكافل يوفر للمهرج مأوى آمناً وفرص تزاوج أفضل، ما يُثبّت الأفراد في أماكنهم ويقلل من مغامرة الهجرة بين الشعاب.

ومن هنا يظهر الترابط بين القيود البيئية والسلوك الاجتماعي: بالرغم من وجود فرص للتشتت أو البحث عن شقائق نعمان جديدة، أظهرت التجارب الميدانية أن معظم الأسماك تعود برضاها إلى مستعمرتها الأصلية، وكأن الخطر من المجهول وحتمية التنافس تمنعهم من المجازفة وتدفعهم للالتزام بالتسلسل الهرمي.


تحديات النمو والتحكم بالحجم

يمتد التعقيد أيضاً إلى سيطرة أسماك المهرج على النمو الجسدي حسب الموقف الاجتماعي. فلو اجتمع ذكران متنافسان مثلاً، يبدأ كل واحد منهما بسباق هادئ ليكبر حجماً ويسعى للهيمنة مستقبلاً. ويعمل فريق بوستون حالياً على كشف الآليات الجينية التي تمكّن السمك من هذا التكيف السريع. كما تمكن الباحثون من إدخال صغار المهرج إلى مجموعات اجتماعية جديدة في شقائق نعمان تختلف أحجامها، وراحوا يراقبون كيف يتغير سلوكهم وموقعهم داخل “الهرم الاجتماعي”.

ذو صلة

كل هذه الاكتشافات تفتح الباب لنظرة أعمق حول علم السلوك والتعايش بين الكائنات البحرية، وتتوسع إلى أسئلة أكبر حول تطوّر المجتمعات وأنماط القيادة حتى لدى الحيوانات البسيطة ظاهرياً.

تكشف قصة المهرج أن وراء الألوان الزاهية التي تبهر الناظرين منظومة اجتماعية معقّدة محكومة بدقة لافتة تجمع بين الانضباط البيولوجي والتفاعل البيئي والشراكة مع الشقائق. وقد يكون من الأفضل استعمال مصطلح “تسلسل هرمي” بدلاً من “طبقات” في تسليط الضوء على التراتبية داخل المجموعة، أو ربما تعزيز الجمل الرابطة بين محاور السلطة والتكافل البيئي لزيادة متعة المتابعة. هكذا يثبت لنا هذا السمك الصغير أن البساطة الظاهرة تخفي نظاماً اجتماعياً مذهلاً، ينتظر المزيد من الأبحاث لكشف أسراره.

ذو صلة