من شاشة عادية إلى عرض مجسم… مستقبل الهواتف يبدأ الآن

3 د
قدم فريق بحثي من جامعة سانت أندروز تقنية تجمع بين OLED والميتاسيرفيس لعرض هولوجرامات.
تستخدم التقنية شاشات OLED في الهواتف الحديثة لتوليد صور ثلاثية الأبعاد قليلة التكلفة.
تتيح الميتاسيرفيس تشكيل صور ثلاثية الأبعاد بدقة باستخدام طبقات فائقة الدقة.
الابتكار يسمح بإسقاط نماذج ثلاثية الأبعاد من أجهزة صغيرة بدون تجهيزات ضخمة.
قد يشهد المستقبل أجهزة محمولة تعرض صورًا ثلاثية الأبعاد بجودة عالية وتكلفة معقولة.
تخيّل عالماً يمكنك فيه أن ترى الصور ثلاثية الأبعاد تتجسد أمام عينيك مباشرة من شاشة هاتفك الذكي دون الحاجة إلى نظارات أو أجهزة خاصة! يبدو الأمر أشبه بأفلام الخيال العلمي، لكن فريقاً بحثياً من جامعة سانت أندروز البريطانية جعل هذا الحلم أقرب إلى الواقع بفضل إنجاز تقني جديد قد يُحدث ثورة في شكل الشاشات واستخدامات الأجهزة الذكية.
في دراسة نُشرت مؤخراً بمجلة "لايت: ساينس آند أبليكيشن"، كشف علماء الفيزياء عن ابتكار جهاز ضوئي يجمع بين تكنولوجيا الدايودات العضوية الباعثة للضوء المعروفة اختصاراً بـOLED وطبقات هندسية متقدمة تسمى الهولوغرافيك ميتاسيرفيس أو "الهياكل السطحية المجهرية الهولوغرافية". هذا المزج يسهّل لأول مرة عرض صور هولوجرافية عالية الجودة بأجهزة خفيفة وصغيرة الحجم، وسط إمكانيات هائلة للتطبيقات في مجالات الهواتف الذكية، الألعاب الإلكترونية، الواقع الافتراضي، والاتصالات.
الهولوجرامات: من مراكز الأبحاث إلى الشاشات بين يديك
ما يميز هذا الاختراع أن معظم تقنيات الهولوجرام القديمة كانت تعتمد على أشعة الليزر المعقدة والتي تتطلب أجهزة ضخمة. أما الطريقة الجديدة فتعتمد على شاشات OLED الشائعة أصلاً في معظم الهواتف وأجهزة التلفزيون الحديثة. فهذه الشاشات الرقيقة التي تنبعث منها الألوان الزاهية قادرة بفضل دمجها مع الميتاسيرفيس على تكوين صور ثلاثية الأبعاد "هولوجرامية" بجودة عالية بتكلفة أقل وبحجم أصغر بكثير من الحلول السابقة.
ولإيضاح الصورة أكثر: الهياكل السطحية الميتا عبارة عن صفائح فائق النحافة مغطاة بنقوش نانوية دقيقة جداً أصغر بآلاف المرات من شعرة الإنسان. وعبر هندسة وتشكيل هذه النقوش بطريقة حسابية دقيقة، يمكن التحكم في سلوك الضوء المار بها—وهنا يكمن سر القدرة على تشكيل صور ثلاثية الأبعاد حية وواضحة. هذا التطور يفتح الباب أمام استخدامات مثل تخزين البيانات المتقدمة، مكافحة التزوير، تطوير شاشات العرض، التحليل الطيفي الدقيق، والتطبيقات البصرية الطبية.
وهذا الإنجاز يتكامل مع الحاجة المستمرة لتقنيات شاشات أكثر ذكاءً وصغرًا، ويعزز من فرص دمج الأنظمة الضوئية في أجهزة بحجم الهاتف أو النظارات الذكية مستقبلاً.
بيكسل واحد... صورة كاملة!
من الجوانب الأكثر إثارة في هذا الابتكار أن فريق البحث تمكن لأول مرة من عرض صورة هولوجرافية كاملة باستخدام بيكسل OLED واحد فقط. عادةً ما تحتاج شاشات العرض لآلاف البيكسلات لتكوين صورة عادية، أما التقنية الجديدة فتستغل خواص الميتاسيرفيس لتعديل وتوجيه الضوء بدقة عند كل بيكسل، فيتداخل الضوء ليخلق صوراً معقدة ثلاثية الأبعاد حسب نماذج مصممة مسبقاً.
واستناداً لمبدأ التداخل الضوئي—أي التأثير التراكبي بين الموجات الضوئية—تم تصميم الطبقة السطحية بحيث تُعدل خصائص الضوء الوافد عند كل نقطة، مما يسمح بتصوير أي شكل هولوجرافي يرغب المصمم بإظهاره. هذا المنهج لا يُيسر فقط تصنيع الشاشات فحسب، بل يقلل من التكلفة ويمنح مرونة هائلة للتصاميم المستقبلية.
وهذه النقلة النوعية ترسم مستقبلاً جديدًا لأنظمة الواقع المعزز والافتراضي، حيث سيكون بالإمكان إسقاط نماذج افتراضية ثلاثية الأبعاد مباشرة من الأجهزة الشخصية الصغيرة دون أية تجهيزات ضخمة.
رؤية العلماء وخطوات المستقبل
وقد عبر البروفيسور إيفور صامويل، المسؤول عن المشروع بجامعة سانت أندروز، عن سعادته بهذا المنعطف، وبيّن أن مزج تقنيات OLED مع الميتاسيرفيس يوفر مسارًا جديدًا وأكثر فعالية لصناعة الهولوجرامات وتشكيل الضوء في التطبيقات المستقبلية. أما البروفيسور أندريا دي فالكو، الخبير في تقنيات النانو-فوتونيكس، فأكد أن هذه الأسطح الذكية من أكثر المواد قدرة على توجيه والتحكم بالضوء، ومع هذا الاكتشاف تم إزالة أحد الحواجز الرئيسية التي كانت تقف أمام دخول المواد الهندسية الفائقة إلى الاستخدام اليومي المألوف.
وهذا التقدم يربط مباشرة بين أحلام الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي وخطط شركات التقنية الكبرى لإعادة تعريف طرق التواصل والترفيه والعمل عن بُعد.
خلاصة: خطوة نحو عصر الصور الطيفية للجميع
في النهاية، يبدو أن أيام الهولوجرامات الضخمة المعقدة أو الأجهزة الباهظة الثمن أصبحت معدودة. فمع هذا التطور العلمي، قد نشاهد قريباً أجهزة محمولة تبث صورًا ثلاثية الأبعاد مذهلة من شاشات صغيرة الحجم وبكلفة معقولة. إن الثورة التي قادتها جامعة سانت أندروز تحول تقنية الهولوجرام من مختبرات العلوم إلى جيب كل مستخدم، لتدخل عالم الاتصالات والترفيه والتفاعل الذكي من أوسع أبوابه. هكذا تقترب السيناريوهات الخيالية من التحول إلى واقع ملموس في حياتنا اليومية.