ذكاء اصطناعي

من قاع البحر إلى حياتنا اليومية: منخل الغرافين يحول مياه البحر إلى ماء عذب

محمد كمال
محمد كمال

4 د

أعلن باحثون من جامعة مانشستر عن تطوير منخل غرافين لتحلية مياه البحر بفعالية كبيرة.

يمتاز الغرافين بمزيج من القوة والموصلية الكهربائية، ما يجعله مرشحًا ممتازًا للاستخدامات المستقبلية.

يعمل المنخل الجديد عن طريق أغشية أكسيد الغرافين التي تتيح مرور الماء لكنها تعوق الأملاح.

تواجه الباحثين تحديات كتحمل الأغشية وفعالية التكلفة لاستدامة الابتكار.

يعتبر هذا الاكتشاف بارقة أمل لبلدان تعاني ندرة المياه وتواجه تحديات مناخية نتائجها وخيمة.

تخيل لو أمكن تحلية مياه البحر بسهولة وبتكلفة منخفضة لتصبح صالحة للشرب، مشرّعة بذلك الأمل أمام ملايين البشر الذين يعانون نقص المياه النظيفة حول العالم. اليوم، يحمل العلم خبراً ساراً من بريطانيا، حيث أعلن فريق باحثين من جامعة مانشستر عن ابتكار منخل متطور مصنوع من مادة الغرافين، يُمكنه تصفية مياه البحر وإزالة الأملاح بكفاءة عالية. فهل نحن أمام نقطة تحوّل في عالم تحلية المياه؟


ابتكار يفتح آفاقًا جديدة

لنستوعب أهمية هذا الاكتشاف، يجب أن نعرف بداية أن الغرافين الذي أدهش العالم منذ عزله لأول مرة في 2004، هو عبارة عن طبقة رفيعة للغاية من الكربون، بسمك ذرة واحدة، مرتبة على شكل شبكة سداسية أشبه بخلية النحل. يمتاز الغرافين بقوة هائلة، وموصلية كهربائية فريدة، ما جعله مرشحاً لاستخدامات مستقبلية واسعة، من البطاريات إلى الإلكترونيات فالمواد المركبة.

وهنا يظهر التحدي الكبير: تصنيع الغرافين النقي مكلف وصعب على نطاق صناعي. لذا توجّه العلماء إلى مشتقّ أرخص وأسهل إنتاجاً في المختبر، اسمه "أكسيد الغرافين". يمكن إنتاج هذا الأخير ببساطة عن طريق أكسدة الغرافين وتحويله إلى محلول يمكن تشكيله كغشاء أو طبقة رقيقة، ثم يُدمج على سطح منفذ أو حتى على مواد مسامية ليستفيد منها كغشاء للترشيح.


الغرافين وأكسيد الغرافين: لماذا هو مميز في تحلية المياه؟

الربط بين خواص أكسيد الغرافين وملف تحلية الماء يبدأ بسؤال بسيط: ما المطلوب لفصل الأملاح عن الماء بدقة متناهية؟ عند صناعة أغشية دقيقة من أكسيد الغرافين، وبتحكم دقيق في أنماط المسام، تمكن الفريق من جعلها شبه نافذة للماء فقط – بمعنى أنها تتيح للماء المرور بينما تمنع جزيئات الملح الأكبر المرتبطة بـ "أغلفة" من جزيئات الماء – أو ما يعرف عملياً بذوبان الأملاح في الماء.

الغرافين النقي، ليصلح لتحلية المياه، يلزم حفر ثقوب أو مسام أصغر من نانومتر واحد (النانومتر واحد أصغر بتسعة ملايين مرة من المليمتر!)، ما يُعد تحدياً صناعياً ضخماً. هذه الدقة أمكن تحقيقها مع أغشية أكسيد الغرافين، خصوصاً بعد أن ابتكر الباحثون إضافة جدران من راتنج الإيبوكسي على جانبي الغشاء، لمنع تمدد المسام أثناء تعرضها للماء، مما يضبط اتساع المسام بدقة رائعة ويمكّن التحكم في نفاذية الغشاء وفق الحاجة.

وهذا التطور يربط عمليًا بين جهود الباحثين في إيجاد حلول بسعر معقول وفعالية أعلى مقارنة بالأغشية التقليدية البوليمرية المستخدمة على نطاق واسع في مصانع تحلية المياه اليوم.


نقاط قوة وفرص التحدي

تكمن الفرصة الحقيقية في سهولة إنتاج أكسيد الغرافين نسبياً، وإمكانية تطويعه لتشكيل أغشية للتحلية أكبر حجماً وأقل ثمناً من المواد التقليدية. الأساس العلمي هنا: عندما تصل أبعاد "القناة" داخل الغشاء إلى حدود النانومتر، يمر الماء بسرعة أشبه بحركة قطار مترابط، بفضل الروابط الهيدروجينية التي تربط جزيئات الماء، في حين تُحجز الأملاح بفضل غلاف الماء المرافق لها، الأكبر من حجم المسام.

لكن مع كل بصيص أمل، تبرز أمام العلماء تحديات عملية ينبغي اختبارها. من بينها ضرورة التأكد من أن الأغشية الرقيقة تتحمل العمل الطويل مع مياه بحر حافلة بالأملاح والمواد العضوية دون أن يتعطل الترشيح أو تتعرض الأغشية للتلف أو الانسداد، وكذلك أهمية خفض تكلفة الصناعة مع الحفاظ على استدامة الأداء.

وهذا يرتبط بالطموحات الأممية، حيث تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة إلى أن 14% من سكان العالم سيواجهون صعوبات مائية حادة بحلول نهاية العقد الجاري، الأمر الذي يجعل من كل تطور في تقنيات تحلية المياه بارقة أمل كبرى.


مستقبل تحلية المياه: لمسات علمية وتطلعات إنسانية

بينما يتحرّك العالم بسرعة نحو مواجهة أزمات ندرة المياه والتغيرات المناخية، يصبح تطوير عمليات التحلية الأقل تكلفة والأعلى مردودًا منقذًا محتملاً، ليس فقط للبلدان الفقيرة أو الصحراوية، بل أيضًا لدول متقدمة تعاني شح المياه العذبة.

ذو صلة

يمضي فريق جامعة مانشستر الآن في اختبار المنخل الجديد في مواجهة الأغشية الصناعية المتوفرة، للتأكد من جدواه تحت ظروف التشغيل الحقيقية في محطات التحلية. ويأمل مختصون عالميون أن ينجح هذا النوع من الأغشية في تحمل العمل الطويل، ومقاومة ما يعرف بـ"الترسيب العضوي" أو تكلس الأملاح، وهي عقبات طالما أنهكت مصافي الماء التقليدية.

وإذا جاز لنا اقتراح تحسين لغوي، فكلمة "منخل" يمكن استبدالها أحياناً بـ"غربال" أو "غشاء"، حسب السياق، بما يمنح التعبير قوة ووضوحاً بحسب الرسالة المراد إيصالها. كما أن تعزيز الجمل بروابط مثل "على صعيد متصل" أو "من ناحية أخرى"، يمنح النص انسيابية تربط بين التقنية والتأثير المجتمعي والبيئي، لتدرك عزيزي القارئ حجم الثورة المحتملة في مشهد المياه العالمي إذا تمكّنا من رؤية هذا الاكتشاف الفريد يطبق في ميادين الحياة الفعلية.

ذو صلة