نبضات عميقة من قلب الأرض تهدد بانقسام القارة الإفريقية إلى نصفين

3 د
قارة إفريقيا قد تواجه انقسامًا بسبب نبضات أرضية تحت منطقة عفر بإثيوبيا.
تندفع موجات من الصخور المنصهرة نحو السطح، مما يسهم في تمدد القشرة.
الأبحاث تشير إلى ارتباط النشاط البركاني والزلزالي بحركة الصفائح التكتونية.
هذا الاكتشاف يعزز فهم ديناميكيات الأرض وتأثير حركة الأعماق على السطح.
التعاون بين الباحثين الدوليين يسهم في تقديم رؤية أوضح لتغييرات الأرض المحتملة.
هل تعلم أن قارة إفريقيا قد تكون في طريقها للانقسام؟ ربما يبدو هذا غريبًا، لكنه بات قريبًا من الواقع بفضل الاكتشاف المثير لفريق من علماء الأرض التابعين لجامعة ساوثهامبتون البريطانية، والذين رصدوا ما وصفوه بـ"نبضات" عميقة تحت قارة أفريقيا.
نبضات قد تبدو للكثيرين وكأنها نبضات قلب، لكنها في الحقيقة موجات منتظمة ودورية من الصخور المنصهرة الساخنة، تندفع من عمق كبير من طبقة الوشاح الأرضي نحو السطح في منطقة "عفر" بإثيوبيا. هذا الاكتشاف مذهل بلا شك، خصوصاً وأن هذه الظاهرة قد تسهم تدريجيًا بانقسام القارة الإفريقية وظهور محيط جديد مكان هذا الانقسام.
ماذا يحدث بالضبط تحت القشرة الأرضية في منطقة عفر؟
لفهم هذا الموضوع الغريب، نحتاج في البداية لتفسير بعض المصطلحات ببساطة. تخيّل معي أن الأرض تشبه بيضة: فالقشرة الأرضية هي القشرة الرقيقة الخارجية، بينما يكون الوشاح هو الطبقة السميكة الساخنة أسفل القشرة، يحتوي هذا الوشاح على صخور منصهرة تسمى "الماجما". يرتبط ما يحدث مع الماجما تحت إفريقيا بحركة الصفائح التكتونية، وهي ألواح قشرية ضخمة تتحرك ببطء فوق الوشاح، وأحياناً تتحرك مبتعدة عن بعضها البعض، مما يؤدي إلى تقليص سمك الأرض فوقها وتمددها، وفي النهاية يمكن أن تتسبب تلك الحركات بعملية انفصال حقيقية للقارات.
وهذا بالضبط ما رصده الفريق بقيادة الدكتورة إيما واتس من جامعة ساوثهامبتون، إذ تبين لهم من خلال دراسة أكثر من 130 عينة من الصخور البركانية من منطقة عفر والصدع الإثيوبي الرئيسي، أن هناك أعمدة ساخنة من الوشاح ترتفع بشكل منتظم على شكل نبضات، وهذه النبضات تحمل توقيعات كيميائية مميزة كأنها تحمل بصمة جيوكيميائية خاصة.
وهذا الاكتشاف يفتح الباب واسعًا أمام فهم طبيعة العلاقة بين الحركات العميقة داخل الأرض وما يحدث من نشاط بركاني وزلزالي على السطح، كما يوضح البروفيسور توم غيرنون، الباحث المشارك في الدراسة: "الأعمدة الساخنة (البلومز) لا تتحرك بشكل واحد، بل يتغير إيقاعها حسب سرعة تمدد الصفيحة فوقها. وكلما كانت هذه التمزقات سريعة، كما يحدث قرب البحر الأحمر، كانت نبضات الوشاح أكثر انتظامًا وسرعة في وصولها للسطح."
وبهذا الشكل، بدأ المشهد يتضح أكثر: تتصرف أعمدة الوشاح المنصهرة هذه كنبضات للقلب، لكن قلب الأرض النابض هنا يدفع مع كل نبضة الصخور المنصهرة نحو الأعلى، مزيدًا من التشقق في القشرة القارية الإفريقية.
يُذكر أن هذا المشروع الكبير الذي شارك في إعداده باحثون من 10 مؤسسات وجامعات دولية من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإثيوبيا وإيرلندا، كشف بصورة أساسية أن النشاط الداخلي للأرض مرتبط بشكل كبير بحركة الصفائح فوقه، ما يعني أهمية كبيرة لهذا الاكتشاف لتفسير وفهم النشاط البركاني والزلازل وظاهرة الانفصال القاري.
وعلى صعيد متصل، يؤكد د. ديريك كير، عضو الفريق البحثي، أن هذه النتائج ترسم ملامح جديدة حول كيفية التفاعل بين حركات أعمق طبقات الأرض والظواهر التي نرصدها على السطح، ما يؤكد ضرورة توسيع الدراسات المستقبلية لفهم سرعة وطبيعة هذه الحركة بشكل أدق.
ومن بين النقاط المحورية والتي ربما ستؤثر على أبحاث قادمة هو التعاون بين فرق من تخصصات مختلفة، الأمر الذي يصفه الباحثون بأنه أشبه بتركيب قطع لغز، فكل خبير يضيف جزءاً من الصورة، ليتمكن الجميع من رؤية المشهد الكامل بشكل أوضح.
يبدو واضحًا أن الاكتشاف الجديد يحمل دلالات هائلة ومذهلة، ليس فقط على فهمنا لجيولوجيا الأرض والوضع الحالي لأفريقيا، بل أيضًا لمستقبل هذا الكوكب وكيف تتغير قاراته وتتبدل باستمرار.
في النهاية، يمكن أن يكون عنوان هذا البحث هو بداية فصل جديد عن كيف تفهم البشرية علاقتها بكوكب الأرض، وكيف تستطيع باستمرار فك شفرات الظواهر الجيولوجية الغامضة التي تكمن تحت أقدامنا. وربما يُمكن في مقالات قادمة استبدال المصطلح التقني "الصفائح التكتونية" بمرادف مبسط مثل "الألواح الأرضية المتحركة"، لجعل المحتوى العلمي أقرب وأكثر سهولة للقارئ غير المتخصص.