نشوة أعماق البحر: هل تستخدم الدلافين سمكة سامة كمخدر طبيعي!؟

4 د
رصد العلماء دلافين تلعب بسمكة نفيخة سامة في سلوك بحري غريب.
يشك العلماء أن الدلافين قد تسعى لتجربة شعور جديد أو نشوة بالسم.
التقاط الفيديو أثار فضولًا حول استخدام الدلافين للمواد الطبيعية في تغيير سلوكها.
الباحثون يرون سلوكيات اللعب الجماعي مكونًا أساسيًا في حياة الدلافين دون الحاجة للسم.
سمكة النفيخة معروفة بسمها "تيترودوتوكسين" الخطير على الجهاز العصبي للبشر.
لطالما اعتبرت الدلافين من أذكى المخلوقات البحرية، لكن مشهداً غير مألوف لفت أنظار العلماء مؤخرًا: مجموعة من الدلافين النشطة وهي تتسلى بعضّ سمكة نفيخة سامة ونقلها فيما بينها وكأنها لعبة ثمينة. هل يختبر هؤلاء الثدييات حالة نشوة بفعل السم أم أن الأمر مجرد لعبة بحرية بين أصدقاء؟
تفاعل غير عادي مع أحد أخطر كائنات البحر
المشهد المثير صورته عدسات فريق وثائقي "دولفين: جاسوس في القطيع" لصالح القناة البريطانية BBC1. أوضح عالم الحيوان روب بيلي، المنتج في طاقم البرنامج، أن ما شاهده تجاوز مجرد لعبة: "الدلافين الشابة كانت تختبر عن قصد شيئاً نعرف نحن البشر أنه مسكر، فبعد مضغ سمكة النفيخة بحذر وتبادلها بين بعضها البعض، بدأت تتصرف بطريقة غريبة، تسبح بالقرب من السطح وتحدق في انعكاس صورها على الماء باهتمام استثنائي". هذا الذكاء والفضول يدفعنا للتساؤل عما إذا كانت الدلافين تسعى فعلاً لتجربة شعور جديد أو نشوة بفعل المادة السامة.
علماء البحار: البيانات لا تزال محدودة
مع أن الفيديو التقط لقطات تبدو استثنائية وتوحي أن الدلافين ربما تبحث عن النشوة بواسطة مادة السم، أوضح باحثون في سلوك الدلافين مثل جيسون بروك من جامعة شيكاغو أن المجتمع العلمي لم يسجل بعد حالات فعلية لدلافين مخمورة في المحيط بالطريقة التي اعتقدها البعض. بروك يرى فعلاً أن تجارب مشابهة في عالم الحيوان ليست بعيدة، مثل استخدام الفيلة للفاكهة المخمرة وما ينتج عن ذلك من تغير واضح في السلوك. لكن إلى أن تتوفر أدلة مختبرية، تبقى المشاهدات مجرد إشارات أولية.
ومن الطبيعي في هذا السياق أن نربط بين رغبة الدلافين في التجريب وحبها الواضح للعب بأنواع مختلفة من الكائنات البحرية، وليس دائماً بدافع الأكل، بل أحياناً اللهو أو التسلية. الباحثة ديانا رايس من كلية هنتر أوضحت أن مشاركة الأسماك بين الدلافين ليست غريبة إطلاقاً، بل تشكل جزءاً من سلوكيات اللعب الجماعي لديها، حتى وإن لم يكن هناك سمكة نفيخة في المشهد.
ما هي حقيقة سمكة النفيخة؟
لمعرفة إن كانت الدلافين تتعاطى السم أم تكتفي باللعب، يجدر بنا فهم خطورة السم نفسه. سمكة النفيخة، المعروفة بالإنجليزية باسم "pufferfish" أو "fugu" في المطبخ الياباني، تحمل في كبدها مادة شديدة السمية تدعى "تيترودوتوكسين". هذه المادة قادرة على شل الجهاز العصبي للإنسان وصولاً للموت، ولهذا يؤكل هذا النوع فقط بعد تنظيف محترف للغاية للتخلص من أي أثر للسم. في حالات التسمم البشري تظهر أعراض مثل تنميل الشفتين، شلل الأطراف، وفي النهاية توقف الدماغ عن العمل.
لكن هل لهذا السم حقاً أثر مسكر على النظام العصبي للدلافين؟ حتى اللحظة، لم يوثق العلماء آثاراً مخدرة واضحة على هذا النوع من الثدييات البحرية. وبعض الحيوانات الأخرى طوّرت مناعة ضد السموم كما حصل مع أنواع من الثعابين، فهل تكون الدلافين أيضاً تملك هذه الميزة الفريدة؟
غريزة اللعب أم سعي للنشوة؟
اللافت في هذه القصة هو صعوبة الجزم بنية الدلافين: هل تستهدف بطريقة منهجية النشوة باستهلاك كميات دقيقة من مادة "تيترودوتوكسين"، أم أنها جرعة زائدة من الفضول واللعب الطبيعي الذي غالباً لا يخلو من العدوانية أو الغرابة، فقد سجلت الأبحاث سلوكيات متوحشة أحياناً عند الدلافين تجاه بعضها أو تجاه كائنات بحرية أخرى، مما يجعل أي تفسير محصوراً بالملاحظة الدقيقة وربما الحاجة إلى اختبارات علمية مقطعية.
ومن هنا، يكتمل المشهد بخبرة أوسع تشير إلى أن سلوكيات الدلافين معقدة ومتنوعة، وتمزج بين التفكير المتقدم والسلوك العفوي والاستكشاف غير التقليدي لأعماق البحار.
بين الأسطورة والعلم... ما الخطوة التالية؟
تلخص هذه القصة دهشة الإنسان أمام ذكاء الدلافين وغرابة سلوكها، وأيضًا حجم الفجوة المعرفية عما يجري في أعماق المحيط. لعل أجمل ما يمكن أن نستثمر به في هذا البحث هو مواصلة الرصد العلمي الدقيق دون مبالغة في التفسيرات أو الاستعجال في تبني أفكار مثيرة دون سند تجريبي. يصح كذلك بين الجمل ـ وربما في عنوان صحفي لاحق ـ استبدال كلمة “النشوة” أحيانًا بـ“التأثير العصبي" إذا قصرت الدقة، وكذلك إضفاء ربط أوضح بين التنوع البيولوجي والتكيف مع السموم في عالم البحار، لضمان إيصال الرسالة بشكل أقوى وأدق للقراء الفضوليين بشأن أسرار عالم الدلافين الساحر.