ذكاء اصطناعي

نهر يهدد مدن العالم: اكتشف الحقيقة وراء تصدعات الجليد في القارة القطبية

محمد كمال
محمد كمال

4 د

نهر ثوياتس الجليدي، المعروف بـ"يوم القيامة"، يهدد بارتفاع مذهل في مستويات البحار.

تشهد المنطقة الشرقية تصدعات أكثر شراسة مما يزيد من تسارع ذوبان الجليد.

يسعى الباحثون لفهم تأثيرات ذوبان الجليد باستخدام بيانات الأقمار الصناعية الحديثة.

قاعدة بيانات جديدة تشمل أكثر من أربعين جرفاً جليدياً لتعزيز الدراسات الجليدية.

استمرار تدهور الثلوج ينذر بمخاطر كارثية على المدن الساحلية حول العالم.

بين صقيع القطب الجنوبي وحواف الأرض البيضاء، تخبئ الطبيعة مفاجآت تشعل قلق العلماء وتنذر بتغيرات كبرى تمس البشرية جمعاء. اليوم يدق الخبراء ناقوس الخطر حول نهر ثوياتس الجليدي، أضخم نهر جليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية، وهو ينهار بوتيرة متسارعة قد ترفع مستويات البحار وتضع مدناً ساحلية بأكملها في مرمى الخطر.

يشتهر نهر ثوياتس، الذي يمتد في عرض يصل إلى 130 كيلومتراً، بلقبه الشهير "نهر الجليد يوم القيامة". يحمل هذا النهر لقباً ليس من فراغ، فذوبانه الكامل كفيل بزيادة منسوب المياه على مستوى العالم بما يصل إلى ثلاثة أمتار تقريباً. ومع التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، بات العلماء يتسابقون لفهم القوى الخفية والمسببات الكامنة وراء تصدّعه المتسارع، على أمل التحرك قبل فوات الأوان.

وهذا الاهتمام الكبير يجعلنا ننتقل إلى التفاصيل الدقيقة التي يراقبها الباحثون اليوم، خاصة مع ظهور تشققات عمودية عميقة داخل الأغطية الجليدية الضخمة التي تميز القارة القطبية الجنوبية. هذه التشققات التي توصف أحياناً بأنها "شقوق الموت" تمتد في الجروف الجليدية العائمة المرتبطة بالأنهار الجليدية، ولها أثر مباشر في تسارع ذوبان الجليد لأن انهيار الجرف الجليدي يزيد من انسياب النهر الجليدي نفسه نحو المحيط.


منهجية مبتكرة للكشف عن التشققات الجليدية

استجابة لهذا التهديد البيئي، طور فريق من الباحثين في جامعة بنسلفانيا طريقة تحليل جديدة لدراسة كيفية تشكّل الشقوق الجليدية وتطورها مع مرور الوقت، وذلك بالاستفادة من بيانات الأقمار الصناعية التابعة لوكالة ناسا، وخاصة القمر الصناعي ICESat-2 المتخصص برصد ارتفاعات الأرض والجليد بدقة فائقة. جمعت هذه البيانات منذ عام 2018 وحتى 2024، لتوفر صوراً ثلاثية الأبعاد ومسارات مقطعية لشروخ الجليد يصعب رصدها بالعين المجردة أو الوسائل التقليدية.

ورغم اعتماد الدراسات القديمة غالباً على نماذج نظرية بسيطة وقياسات ميدانية محدودة وصعبة المنال، أتاح هذا الأسلوب الجديد للعلماء اكتشاف أن الجهة الشرقية من الجرف الجليدي لثوياتس تتعرض لتصدعات أكثر شراسة من الناحية الغربية. إلا أن السؤال عن السبب الدقيق لهذا الاختلاف ما زال بلا إجابة واضحة، مع تلميحات الباحثين إلى عوامل مثل ارتفاع درجة حرارة المياه، وقلة الغطاء الجليدي البحري المحيط وتحولات التيارات البحرية تحت النهر.

يتواصل الحديث عن التشققات ودورها في تسريع ذوبان الجليد، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الشقوق – وهكذا يتولد نوع من حلقة التغذية الراجعة التي تدفع أجزاء من الكم الجليدي لاتخاذ نقطة اللاعودة.

بعد التوضيح التقني، يظهر لنا أن العلاقة بين تصدع الجروف الجليدية وتسارع تدفق الأنهار الجليدية باتت أشبه بساعة رملية تقترب من نهايتها، وتعيد إلى الأذهان تجربة انهيار جرف لارسِن-بي الشهير عام 2002، حين تداعت كتل هائلة من الجليد خلال خمسة أسابيع نتيجة ارتفاع الحرارة وتراكم الشقوق. وهنا نستشعر كيف أن الأدوات الجديدة أعطت الباحثين القدرة على التحذير المبكر وتحديث التوقعات بشكل أفضل من الماضي.


سباق العلماء... بيانات مفتوحة لدعم جهود المستقبل

وفي هذا السياق المتسارع للتغير المناخي، لم يقتصر عمل الفريق البحثي على تحليل ثوياتس فقط، بل عمدوا إلى إنشاء قاعدة بيانات هي الأكبر من نوعها، تشمل أكثر من أربعين جرفاً جليدياً حول القارة القطبية. هذه البيانات، التي صُممت لتكون مفتوحة ومتاحة أمام الباحثين حول العالم، تحتوي على معلومات ثلاثية الأبعاد عن مواقع وعمق التشققات. وبهذا تسهم في تطوير النماذج الرقمية وفهم الديناميكا الجليدية بشكل أعمق، ما يسمح بإجراء توقعات دقيقة حول أخطار انهيارات الجليد القادمة.

ذو صلة

ويؤكد الباحثون أن توفير هذه البيانات بشكل موسع سينعكس فوراً على تسريع الاكتشافات وتقوية التعاون الدولي في مجال دراسة الجليد القطبي والإنذار المبكر لنقاط الضعف البيئية. وفي الوقت نفسه يحذر الخبراء أن استمرار ذوبان واهتزاز ثوياتس ينذر بعواقب كارثية على البشرية، خاصةً لسكان المناطق الساحلية المنخفضة.

وختاماً، يظهر جلياً من تتبع هذه التحولات في صميم الأنهار الجليدية أن المستقبل لم يُكتب بعد؛ فالوعي بدقة المصطلحات (كاستعمال "الانهيار القاري الجليدي" بدلاً من مجرد "الذوبان") وزيادة الربط بين المشاهدات والنتائج، سيمنح المقالات والإخبار العلمية مزيداً من التأثير والوضوح عند تناول المخاطر المناخية بهذا الحجم العالمي. إن اختيار التعبير الأقوى وتضييق زاوية التركيز عند شرح التفاصيل، يقرّب الصورة أكثر للقارئ ويثير اهتمامه لمتابعة تطورات هذا الملف الحاسم.

ذو صلة