نوكيا تعود من جديد…ثلاث صفقات كبرى في أمريكا وسنغافورة والشرق الأوسط

في زمن تتقاطع فيه الخيوط الضوئية مع حدود المدن الكبرى، تتحول شبكات الاتصال إلى شرايين جديدة للعصر الرقمي. من الخليج إلى سنغافورة ثم قلب تكساس، تمددت يد نوكيا لتنسج ثلاث شراكات ضخمة تشير إلى تحول نوعي في طموح الشركة الفنلندية نحو امتلاك البنية التحتية التي تُغذي الذكاء الاصطناعي العالمي. فبعد استحواذها على شركة Infinera، بدا واضحًا أن نوكيا لا تنوي الاكتفاء بدور المزوّد، بل تسعى لقيادة سباق المستقبل في شبكات الألياف البصرية.

توضح العقود الجديدة مع Gulf Bridge International وسلطة النقل البرّي في سنغافورة وشركة Gigabit Fiber الأمريكية أن التوسّع لم يعد حكرًا على الأسواق التقليدية. فنوكيا، التي ظلّت لعقود رمزًا للهواتف، وجدت في البنية التحتية البصرية مجالًا يحفظ هويتها الهندسية ويمنحها سلطة جديدة على تدفقات البيانات الدولية. من خلال منصتها 1830 GX، تعيد الشركة رسم خرائط الاتصال عبر مسارات برية وأخرى حضرية تمتد من العراق حتى تكساس، هدفها: سرعة أعلى، استهلاك طاقة أقل، ومستقبل قابل للتوسّع.

تشير أرقام الصناعة إلى أنّ الطلب على شبكات الألياف البصرية ينمو بخطى ثابتة، مدفوعًا بانفجار مراكز البيانات المعنية بخوارزميات الذكاء الاصطناعي. فشبكات الجيل الجديد لا تُبنى بالمعدّات وحدها، بل بسرعة انتقال المعلومة. ولذا، تتحول التقنية التي كانت تُستخدم في البث التلفزيوني أو الاتصالات بين المدن إلى منظومة عصبية تُغذي أدمغة الحوسبة الذكية المنتشرة في أرجاء العالم.

مع استحواذها على Infinera، صارت نوكيا تمتلك نحو خمس السوق العالمي لمعدات النقل الضوئي، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع عمالقة مثل هواوي وCiena. لكن الفارق هنا أن الشركة تراهن على الشراكات المحلية لبناء حضورها العالمي بهدوء واستدامة. ففي حين تركّز المنافسات على التقنيات، يبدو أن نوكيا تسعى لكسب ثقة الحكومات والمؤسسات الكبرى باعتبارها شريكًا في الأمن السيبراني والموثوقية التشغيلية.

ما يثير الاهتمام أن هذه العقود لا تعبّر فقط عن توسّع تجاري، بل عن مفهوم جديد للقوة التقنية: البنية التحتية باعتبارها أداة للنفوذ. فكل كابل ضوئي يعبر الصحراء العراقية أو يربط محطات مترو سنغافورة، يشكل امتدادًا غير مرئي لاقتصاد المعرفة. وربما لهذا السبب يتسابق مزوّدو الشبكات للاستثمار في المناطق التي تحمل إمكانات استراتيجية، لا فقط عوائد مالية.

لم تعد الشبكات مجرد وسائل نقل للبيانات، بل بيئة تنمو وتتكيف مع المتطلبات الذكية الجديدة. فالشراكات الثلاثة تعكس إدراكًا بأن الذكاء الاصطناعي لا يعيش في السحابة المجردة، بل يحتاج إلى جذور مادية تُغذيه. في هذا السياق، تلعب نوكيا دور المهندس الهادئ وراء الكواليس، تُصمم العالم الذي سيتنفس عبر الضوء.

Suggested Slug: nokia-optical-expansion