ذكاء اصطناعي

هل أخفى المحيط هذا السر 100 عام؟ كبد القرش العفريت يفضح الحقيقة

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تعيش سمكة القرش العفريت في أعماق تتراوح بين 250 و900 متر تحت سطح البحر.

تتميز بملامح فريدة، منها الأنف الطويل والجلد الشفاف الوردي واللواقط الكهربائية.

الكبد الزيتي الضخم يساعدها على الطفو بهدوء واقتصاد الطاقة في الأعماق.

تعتبر "أحفورة حية" بفضل تاريخها التطوري الذي يعود لأكثر من 125 مليون عام.

آخر رصد للقرش العفريت كان قبالة سواحل تايوان عام 2023 بأنثى حامل.

تخيل أن تغوص في أعماق المحيط فتواجه وجهاً غريباً يبدو وكأنه خرج من لوحة سريالية. هكذا هو الحال مع سمكة القرش العفريت، ذلك الكائن النادر الذي أثار فضول العلماء لعقود بسبب غرابة شكله وغموض حياته. لكنها لا تكتفي بمظهرها المذهل، بل تخفي داخلها "سلاحاً" حيوياً يكشف سر بقائها في أعماق بعيدة: الكبد الزيتي الضخم.

تعيش أسماك القرش العفريت، أو كما تعرف علمياً باسم "ميتسكورينا أووستووني"، في مناطق سحيقة تُعرف باسم المنطقة القاعية المتوسطة، على أعماق تتراوح بين 800 و3000 قدم (نحو 250 إلى 900 متر) تحت سطح البحر. هذه الأعماق تجعل لقاء الإنسان بها نادراً للغاية، إذ لم يتم رصد سوى حوالي خمسين فرداً منذ اكتشافها الأول عام 1898، معظمهم قبالة اليابان والبرتغال وخليج المكسيك وسواحل كاليفورنيا. وقد أضفى هذا الغموض هالة من الأساطير على هذا القرش، حتى أصبح يُطلق عليه أحياناً اسم "السمكة الجنيّة" أو "الطيف البحري".


ملامح الوجه الفريدة: سر تحت الجلد الوردي


حين نتحدث عن شكل القرش العفريت، لا بد أن نذكر أنفُه الطويل المسطح وفمه القابل للتمدد، بالإضافة إلى العيون الصغيرة والجلد الشفاف ذي اللون الوردي. ما يميز هذا الكائن هو تلك اللواقط الكهربائية الصغيرة المنتشرة في مقدمة أنفه، والمعروفة علمياً باسم "أمبولات لورنزيني". تلك الحساسات تمكنه من التقاط أضعف الإشارات الكهربائية التي يصدرها فريسته أثناء الحركة، ما يمنحه أفضلية هائلة في اصطياد الكائنات في ظلام الأعماق حيث يستحيل الرؤية تقريباً. وهكذا يربط شكل وجه القرش العجيب بين وظيفته الحسية الاستثنائية ونمط صيده الفريد.

ويمتد ما يميز القرش العفريت ليشمل فكه شديد المرونة، المدعم بأربطة مزدوجة، حيث يستطيع أن يقتنص الفريسة بسرعة كبيرة قبل أن تدرك وجوده، متسلحاً بأسنان طويلة حادة تتوزع في صفوف متراصة.


الكبد الزيتي: ميزة عجيبة في عالم الأعماق


إذا كان مظهر القرش العفريت يدعو للدهشة، فإن ما يخفيه داخله أكثر إدهاشاً. فالكبد الضخم المليء بالزيوت لا يعد مجرد مخزن طاقة كما في باقي الكائنات، بل يشكل عنصراً حيوياً لتكيف هذا القرش مع الأعماق السحيقة. وبفضل تراكيز الزيت العالية، تصبح كثافته قريبة جداً من كثافة مياه البحر، ما يمنحه طفوًا شبه مثالي يسمح له بالتحرك بهدوء ودون جهد يُذكر. بهذه الخاصية تمكن القرش العفريت من الاقتراب من فريسته دون أن تلاحظ اقترابه، في حين تمنحه قلة الحركة القدرة على الاقتصاد في الطاقة في بيئة بحرية فقيرة بالغذاء. هذه الميزة تربط بين التكيف الفيزيولوجي ومستوى النجاة والصيد بالنسبة للكائنات التي تعيش في ظلمات الأعماق.

ومن الجدير بالذكر أن جسم القرش العفريت رخو الملمس وعديم العضلات القوية مقارنة بأبناء عمومته من القروش، إذ يبلغ طوله الوسطي نحو 3.5 متر ويزن زهاء 180 كلغ، مما يؤكد مرة أخرى أهمية الكبد في التعويم والبقاء.


لغز البقاء والعراقة الجيولوجية


رغم أن العالم الحديث لم يتعرف على القرش العفريت إلا قبل قرن وربع، إلا أن الدراسات الأحفورية تشير إلى أن هذا الكائن يعتبر "أحفورة حية"، إذ ظهرت سلالته لأول مرة قبل أكثر من 125 مليون عام. وقد عثر العلماء على أحافير لأسماك قريبة منه تدعى "سكابانورنخس" تعود إلى أكثر من مائة مليون سنة مضت؛ الأمر الذي عزز الاعتقاد بأن ملامح هذا المخلوق لم تتغير كثيراً عبر العصور الجيولوجية. وهنا يظهر كيف يرتبط التاريخ التطوري لهذا القرش بخصائصه الحالية من حيث البنية والقدرة على التكيف.

بسبب الندرة الشديدة في تسجيل مشاهدات حية للقرش العفريت، لم تتوفر فرص كافية لدراسة تفاصيل دورة حياته بدقة. لكن يُعتقد أن عمره الافتراضي قد يمتد لستين عامًا أو أكثر—وفق ما توصلت إليه تقديرات حديثة حول متحجرات تماثله.


عادات الغذاء والصيد المجهول


تكشف الدراسات الشحيحة من عينات القرش العفريت أن غذاءه يشمل الأسماك، الحبار وبعض أنواع الروبيان، لكن العلم لم يتمكن بعد من رسم صورة غذائية دقيقة بسبب ندرة اكتشاف أفراد تحتوي بطونها على طعام صالح للفحص. فعلى سبيل المثال، إحدى أكبر الدراسات الحديثة أوضحت أن قرابة ثلث القروش التي تمت دراستها لم يكن في أجهزتها الهضمية أي طعام. وهذا يربط بين غموض نمط الحياة البحرية لهذا الكائن وصعوبات المعرفة الدقيقة لتفاصيل معيشته في الأعماق.

وأخيراً، لا تزال رؤية القرش العفريت حدثاً بحرياً نادراً وفريداً: آخر رصد مسجل له تم قبالة سواحل تايوان عام 2023، وتبيّن أنه أنثى حامل بنحو ستة أجنة.

ذو صلة

خاتمة: مخلوق من زمن العجائب


تتلاقى في القرش العفريت سمات الجمود الجيولوجي والتطور الحي، فهو يجمع بين مظهر ما قبل التاريخ وقدرات التكيف المذهلة للبقاء في أقسى البيئات البحرية. وبينما تبقى أسراره طي الغموض، تذكّرنا هذه "الأحفورة الحية" بمدى التنوع والدهشة التي يخبئهما بحرنا العميق—وأن هناك دوماً أسراراً لم تُكتشف بعد تحت أمواج المحيط.

ذو صلة