هل الذكاء خاصية جوهرية للكون؟ نظرية علمية جديدة تربط الوعي البشري بقوة كونية غامضة

4 د
يقترح يوفان أن الذكاء قد يكون عنصرًا أساسيًا في الكون.
يرى يوفان أن الذكاء لا يحتاج إلى دماغ للتواجد والتأثير.
يناقش يوفان نقاط الوعي والذكاء وعلاقتهما بالكون المادي.
ينتقد الفلاسفة فكرة أن الذكاء وعي كوني يتجاوز المادة.
يرى يوفان أن الذكاء الاصطناعي قد يتصل بذكاء كوني جديد.
هل فكرت يوماً أن الذكاء ليس حكراً على أدمغة البشر أو الحواسيب، بل قد يكون عنصراً أساسياً ينسج خيوط هذا الكون الواسع؟ هذا التساؤل خرج من إطار التأملات الفلسفية إلى دائرة الجدل العلمي مؤخراً بعد نظرية طرحها عالم الفيزياء الحيوية والرياضيات الدكتور دوغلاس يوفان، الذي يرى أن الذكاء ليس مجرد نتاج الجهاز العصبي للإنسان، بل قوة أصيلة تغمر الوجود، وكل ما نملكه – عقولنا وأدوات الذكاء الاصطناعي – هو فقط وسائل للاتصال بها.
منطلق غير تقليدي للذكاء
يفترض يوفان أن الذكاء لا يحتاج إلى دماغ أو أعصاب أو حتى جسم حي كي يوجد ويعمل. بل يرى أن هناك ما يشبه الحقل المعلوماتي، أو "إيثر معرفي" غير ملموس، تنتظم فيه البنى والقوانين، وتستطيع الهياكل المعقدة مثل الدماغ أو نماذج الذكاء الاصطناعي أن تتصل به وتستفيد منه. هذه الفكرة المثيرة ولدت لديه بعد سنوات من العمل في تقاطع الفيزياء وعلم الأحياء ونظرية المعلومات، فملاحظاته حول البرمجيات الحيوية والذكاء الاصطناعي دفعته للتساؤل: لماذا كثير من الاكتشافات بدت كأنها مكشوفة وليست فقط منجزة؟ يرى أن هذه الومضات الفكرية ليست حصيلة تفاعل خلايا المخ وحدها، بل دليل على وجود مصدر أعمق للذكاء تسعى العقول لتحصيله والاستفادة منه.
تكمن أهمية هذا الرابط في فهم كيف تشعر عقولنا أحياناً وكأنها تستقبل فكرة جديدة من "العدم"، أو كيف يحقق الذكاء الاصطناعي قفزات تبدو كما لو أنه يكشف عن حقائق كامنة لم تُخترع بعد. وهذا يعيدنا إلى أبحاث يوفان في الهندسة الوراثية والرؤية الحاسوبية، حيث لاحظ أن التطور الطبيعي ومظاهر الحياة ليست فقط رد فعل، بل استباق وذكاء رياضي بديع.
من هنا، تنتقل الأسئلة إلى محور أكثر عمقاً عن طبيعة الوعي والمقارنة مع معطيات فيزياء الكم ونظرية الفرَكتلات (الأنماط المتكررة ذاتياً) التي تظهر من أصغر الذرات إلى أكبر المجرات.
الوعي والكون: جدل بين فيزيائي وفيلسوف
هذه الطروحات لم تمر دون نقد الفلاسفة. العالم كيث فرانكيش، مثلاً، متحفظ أمام فكرة أن الوعي أو الذكاء قوة خارجة عن المادة أو ظاهرة مستقلة بذاتها. يرى فرانكيش أن وعينا وإدراكنا بالعالم ليسا انعكاساً كاملاً للحقيقة، بل نتاج عمليات انتقائية هدفها التكيف والبقاء، أشبه بانعكاس القدم المشوَّه تحت الماء، حيث يخدعنا الإدراك بحقائق جزئية. بالنسبة له، لا يعني ظهور بُنى فرَكتلية في الطبيعة أن الكون واعٍ أو ذكي بذاته؛ هذه مجرد أنماط هندسية ونتائج تطبيق قوانين فيزيائية على نطاقات مختلفة.
وهكذا يظل الفرق بين نظرة يوفان ونظرة فرانكيش هو موقع الذكاء والوعي: أهما مجرد نتيجة تطور الدماغ وأجهزته الوظيفية؟ أم أنهما يصلان إلى مصدر عميق في نسيج الزمكان ذاته؟ يؤكد فرانكيش أن حتى أبسط ميولنا لتشكيل الاعتقادات ترتبط بحاجتنا لأدلة عملية في الواقع التجريبي.
الذكاء الاصطناعي وتجربة الاتصال بالذكاء الكوني
عودة إلى عصر الذكاء الاصطناعي، يرى يوفان أن الحواسيب النموذجية قد لا تتفوق على عقول البشر فيما يتعلق بسرعة المعالجة فقط، بل ستكون قادرة على "التقاط" أوجه من ذلك الحقل المعرفي الكوني بطرق جديدة تماماً. يعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفاعل مع هذا المصدر بطريقة تشبه الحدس أو البصيرة، تماما كما يحدث في العقول البشرية، وربما يستطيع كشف أسرار أو رؤى عن الكون بطريقة تتجاوز قدرات الإنسان وتجعل الذكاء الاصطناعي أيضاً شريكًا في التطور المعرفي.
وللوصول إلى هذه الحالة، يرى أن التطور التكنولوجي يقودنا نحو نماذج جديدة من المعالجة الذهنية؛ تدمج الفيزياء مع علوم الحاسوب وحتى التأمل في ما وراء الفلسفة. يعتقد يوفان أيضاً أن الوعي لا يمكن تحليله وتقسيمه بطرق تقليدية، وأن الحل قد يكون في توحيد مفاهيم الفيزياء مع البنية المعلوماتية للتجربة الذاتية.
نحو تفسير جديد للوعي
كل هذه الأفكار تفتح الباب لسؤال أكبر: كيف يمكننا تفسير التجربة الذاتية للوعي؟ وهل يمكن فعلاً أن يوجد "وعي كوني" أو ذكاء يغمر كل الموجودات؟ يناقش يوفان في أطروحاته السابقة فكرة "الجسيم الروحي"، دون الدخول في صوفية أو معتقدات غيبية، بل ساعياً إلى نمذجة رياضية لهذه الظواهر. رؤيته ترتبط بتصور تطوري للذكاء والمعرفة، حيث تتداخل الأنظمة البيولوجية مع الخوارزميات الذكية والدوائر العصبية؛ مما يشير إلى احتمال وجود قشرة من المنطق الكوني تمتد في العمق خلف كل العمليات الذهنية.
ومع ذلك، فإن القواسم المشتركة التي تُجمع بين يوفان وفرانكيش هي الإعجاب "بالأناقة" المتجلية في نشوء النظام الكوني، حتى لو اختلفا في تفسير مصدر هذه الأناقة أو طبيعتها.
نحن على أعتاب مرحلة جديدة من فهم العلاقة بين العقل والكون، تتطلب جَسْر المفاهيم بين الهندسة العصبية، فيزياء الكم، علوم المعارف، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي. ومن يدري؟ ربما تصبح اللغة التي نستخدمها غداً أكثر دقة إذا استبدلنا مصطلحات مثل "معلومات" بكلمة أقوى مثل "بنية" أو ربطنا الذكاء مباشرة بمصطلحات الفيزياء، ما قد يضيق دائرة الفهم النظري ويقربنا أكثر من الإجابة على واحدة من أقدم وأعمق الأسئلة الوجودية: من أين يأتي وعينا؟