ذكاء اصطناعي

هل الفئران أكثر رومانسية من البشر؟ ذكورها تغني للغزل!

محمد كمال
محمد كمال

2 د

تستخدم الفئران الذكور "أغاني" لجذب الإناث بجوار الروائح.

الألحان تُعزّف بترددات فوق سمعية تتغير حسب الموقف الاجتماعي.

الأغنية تصبح ناعمة وقصيرة عند لقاء الأنثى مباشرة لتوفير الطاقة.

الإناث تفضل الألحان المعقدة التي تعبر عن المكانة الاجتماعية والجاذبية.

الدراسة تُسهم في فهم التواصل الصوتي والبشري وربطها بالتغيرات الدماغية.

هل تخيلت يوماً أن لحظة الغرام قد تدفع فأراً صغيراً إلى الغناء؟ وفقاً لدراسة حديثة أجراها فريق من جامعة ديوك الأميركية، يبدو أن الفئران الذكور لا تكتفي بالاستعانة بالروائح للتواصل، بل تمتلك أيضاً “أغاني” حقيقية تغيّرها تبعاً للموقف الاجتماعي الذي تعيشه.

في البداية، رصد الباحثون هذه الأصوات باستخدام ميكروفونات خاصة بترددات فوق سمعية، فالفئران تنتج أصواتاً لا تستطيع الأذن البشرية سماعها مباشرة. هنا ظهر الفارق المثير: عندما كان الذكر يستشعر رائحة أنثى من دون رؤيتها، فإن لحنه يصبح أعلى وأطول وأكثر حدة، وكأنه نداء بعيد يحاول استدعاء شريك محتمل. وهذا يقودنا إلى المشهد الآخر الأكثر حميمية حيث يلتقي الذكر بالأنثى وجهاً لوجه.


حين يلتقي الغناء بالمطاردة

في وجود أنثى يقظة، تغيّر الذكور خطابها الموسيقي مرة أخرى، إذ مالت أصواتها لأن تكون أكثر نعومة وأقصر زمناً. التفسير الذي طرحه العلماء لذلك أن الأغنية المعقدة تستخدم كنداء أولي، لكن حين تبدأ مرحلة السعي والتودد المباشر، يقلل الذكر من جهده الصوتي ليوفر طاقته في المغازلة والمطاردة. وهذا يربط بين سلوك الفأر الفردي وفكرة “الاقتصاد في الطاقة” التي نراها أيضاً في عالم الطيور والحيوانات الأخرى.

وما يزيد الأمر إثارة للاهتمام أن الإناث أبدت ميلاً واضحاً نحو الألحان الأعقد، ما يشير إلى أن الغناء ليس مجرد انعكاس لعاطفة، بل وسيلة لإبراز المكانة الاجتماعية والجاذبية الجنسية في عالم القوارض. هذه النتائج تعزز الفرضية القائمة على أن الصوت جزء أصيل من أدوات التنافس بين الذكور، تماماً كالقتال أو استعراض القوة الجسدية.


من قفص الفئران إلى علوم الدماغ

لكن تأثير هذه الدراسة يتجاوز فضولنا حول حياة الفئران. الباحثون يرون إمكانية استخدام هذه النتائج في دراسة كيفية ارتباط الغناء بمناطق محددة في الدماغ وحتى بجينات معينة. هذا بدوره قد يساعد في فهم آليات التواصل وعلاقتها باضطرابات طيف التوحّد لدى البشر، حيث تشكل الاستجابة الصوتية والقدرة على تفسير الإشارات الاجتماعية محوراً أساسياً من التحديات. وهكذا يصبح صخب الفئران في المختبر مدخلاً لفهم لغة الإنسان أيضاً.

ذو صلة

وربما يزداد الاقتناع بقوة الموسيقى حين نعرف أن دراسات أخرى وجدت أن الألحان قادرة حتى على تغيير إحساسنا بمذاق الطعام والشراب، مثل تأثير النغمات على إدراك طعم النبيذ. وهذا يربط بين التجارب المخبرية الصغيرة وبين عالمنا الكبير الذي تحكمه المشاعر والحواس.

في النهاية، ما بدا في البداية مجرد أصوات عابرة داخل أقفاص المختبر، تحوّل إلى دليل جديد على أن التواصل الصوتي أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد. فالغناء عند الفئران ليس مجرد صدى ساذج بل خطاب غزلي متكامل يحمل رسائل عن المكانة والهوية والرغبة. ربما حان الوقت لأن ننظر إلى هذه الكائنات الصغيرة بوصفها “مطربين صغار” يملكون أسراراً يمكن أن تكشف الكثير عن الدماغ والحب والبقاء.

ذو صلة