هل تُعيد أوروبا رسم قواعد اللعبة الرقمية؟ صدام عملاق بين الاتحاد الأوروبي وآبل يهدد تغييرات جذرية في السوق التكنولوجي!

3 د
تتحرك أوروبا لمواجهة سيطرة آبل على متجر التطبيقات بتطبيق قوانين جديدة.
"آب ستور" يجبر المطورين على استخدام نظام الدفع الخاص به بنسبة عمولة 30%.
محكمة روتردام الهولندية تغرم آبل 50 مليون يورو لانتهاكها قواعد المنافسة.
قانون الأسواق الرقمية يهدف لضمان منافسة عادلة وإتاحة مرونة أكبر في التطبيقات.
تواجه آبل ضغوطاً لتغيير سياستها استجابة للتحركات القانونية في أوروبا.
لطالما اعتبرت نفسي من محبي منتجات شركة آبل، فلا يمكن مقاومة روعة التصميم وجودة الأداء التي اشتهرت بها تلك الأجهزة، إلا أن شيئاً ما بدأ يتغير مؤخراً، وبطريقة ربما لم نتوقعها من قبل. فالاتحاد الأوروبي لم يعد يكتفي بمراقبة ممارسات العملاق التكنولوجي الأمريكي صاحب التفاحة الشهيرة، بل بات يتحرك بالفعل لمواجهته. لكن السؤال المهم: لماذا؟ وماذا يعني ذلك تحديدا بالنسبة إلينا كمستخدمين؟
في الواقع، يتصدر متجر التطبيقات الشهير "آب ستور" هذا الجدل، فلطالما افتخرت آبل بكون متجرها بيئة سلسة آمنة ومنظمة، تضمن للمستخدم تجربة مريحة ومضمونة. إلا أن النموذج الحالي للمتجر يحصر تحكم آبل في كيفية إدخال التطبيقات وآليات الدفع المستخدمة فيها، حيث لا يسمح للمطورين باستخدام أنظمة دفع خارجية أو حتى وضع روابط بديلة للشراء، لتذهب عمولة تصل حتى 30% من إيرادات التطبيقات مباشرة لخزائن الشركة.
ومن هنا تأتي أزمة آبل في أوروبا، حيث صدرت مؤخراً عن محكمة في مدينة روتردام الهولندية حكماً يقضي بإلزام الشركة دفع غرامة مالية كبيرة تبلغ 50 مليون يورو. وتستند هذه الغرامة التي أقرت للمرة الأولى في عام 2021 إلى أن آبل قد خرقت بوضوح قواعد المنافسة الأوروبية بإجبار تطبيقات المواعدة تحديداً على استخدام نظام الدفع الخاص بها، مقيدة بذلك حرية المطورين والمستخدمين على حد سواء. آبل لم تعلن استسلامها بعد، فقد أعلنت بالفعل عن نيتها الطعن على هذا القرار بشكل عاجل.
قد يشعر المرء بالتعاطف مع مطوري التطبيقات هنا، فتصور أنك قضيت ساعات طويلة تبني تطبيقاً ذكياً وناجحاً للمواعدة أو غيرها، لتجد نفسك مضطراً لدفع جزء معتبر من إيراداتك لشركة عملاقة فقط لاستخدام نظامها الحصري! قد يبدو الأمر مجحفاً قليلاً بحق المطورين الذين يكافحون لتحقيق النجاح.
هذا الموقف الصارم من الاتحاد الأوروبي تجاه آبل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقانون الأسواق الرقمية الجديد، المعروف اختصاراً بـ "DMA"، الذي دخل حيز التنفيذ خلال الربيع الماضي. ويهدف هذا القانون تحديداً إلى ضمان بيئة منافسة عادلة على الإنترنت، ومنع الشركات الكبرى مثل آبل من فرض ضغوط وسيطرة مبالغ فيها على الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطنين داخل الأسواق الأوروبية. وبموجب هذا القانون، ستكون الشركات ملزمة بإتاحة مرونة أكبر في استخدام طرق الدفع وتشغيل التطبيقات، وبشكل قد يغيّر قواعد اللعبة مستقبلاً بشكل كبير.
كل هذه التحركات القانونية قد تبدو للكثيرين خطوة مهمة نحو تحرير السوق وتعزيز حرية المنافسة، إلا أنها في الوقت نفسه تضع آبل، وغيرها من الشركات التقنية العملاقة، في موقف حرج يجبرها على إعادة النظر في سياستها وطريقة عملها. ولن يكون مستغرباً أن نرى في المستقبل القريب استجابة عملية من آبل، وربما بعض التغييرات الجوهرية في سياسات متجرها الشهير.
في النهاية، تظل خطوة الاتحاد الأوروبي محاولة لتوفير مناخ أكثر شفافية وعدالة، قد تؤتي أكلها بتحسن ملحوظ في مستقبل التطبيقات والمعاملات الرقمية. وربما - إذا أردنا تحسين صياغتنا قليلاً - لكان من الأفضل القول إن "الاتحاد الأوروبي يتحرك لتعزيز المنافسة الحرة والعادلة" بدلًا من "الاتحاد يهاجم آبل"، فهذا التعبير قد يعكس جوهر القضية بصورة أدق، ويعطي صورة أشمل لنوايا أوروبا في تعزيز سوق رقمي تنافسي وعادل للجميع.