ذكاء اصطناعي

هل نعيش في عصر المراقبة الشاملة؟ أكبر عملية استيلاء على البيانات تهدد خصوصيتك اليوم!

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

بات جمع البيانات الشخصية يشكل تهديدًا كبيرًا للخصوصية والأمان الشخصي.

توحد الإدارة الأمريكية بيانات المواطنين بمساعدة شركات التكنولوجيا الكبرى.

تقوم منظمة DOGE، المدعومة بشخصيات مؤثرة، بالوصول لبيانات حكومية حساسة.

يسهل الاستفادة من هذه البيانات في بناء نظام مراقبة واسع وسوء استخدامها.

للولايات المتحدة قوانين حماية خصوصية غير كافية مقارنة بالقوانين الأوروبية الصارمة.

هل تخيلت يوماً أن جميع تفاصيل حياتك التي ظننتها آمنة وخاصة قد تكون مخزنة في مكان واحد، وعلى بعد نقرة واحدة فقط؟ هذا السيناريو المقلق يتحول اليوم إلى واقع ملموس أكثر من أي وقت مضى؛ فنحن على أبواب ما يمكن تسميته بـ "أكبر عملية استيلاء على البيانات الشخصية" في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

في السنوات الأخيرة، أصبح مصطلح "البيانات الضخمة" عنواناً عريضاً يشير إلى الكم الهائل من المعلومات التي تجمعها المؤسسات رسمية كانت أو تجارية. بياناتنا اليوم تشمل أدق تفاصيل حياتنا اليومية؛ من رسائل البريد الإلكتروني وصور العائلة وحتى سجل الرحلات وقوائم المشتريات. لكن الجديد في الموضوع هو أن الإدارة الأمريكية، وبالشراكة مع شركات التكنولوجيا الكبرى، بدأت بتوحيد هذه البيانات وتحليلها بشكل موسّع باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتكوين ملفات تعريفية "بروفايلات" كاملة عن المواطنين، وهو ما يثير مخاوف كبيرة تتعلق بالخصوصية والأمن الشخصي.

ولا تأتي هذه الخطوات من فراغ؛ فقد بدأت مؤخراً تقارير إعلامية بارزة، منها تحقيق نشرته مجلة "وايرد" الأمريكية، بكشف تفاصيل مثيرة للقلق عن نشاط منظمة تُعرف اختصاراً بـ DOGE، تدعمها شخصيات مؤثرة مثل رجل الأعمال إيلون ماسك، قامت بالوصول إلى قواعد بيانات حكومية ضخمة وحساسة، تضمنت معلومات تخص ملايين الموظفين الحكوميين ومواطني الولايات المتحدة.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ إذ تكشف التقارير حصول DOGE على التصاريح اللازمة للوصول لمعلومات مرتبطة بوزارة الخزانة الأمريكية، والتي تدير تريليونات الدولارات من معاملات مالية عامة وخاصة، كما وصلوا أيضاً إلى سجلات الضمان الاجتماعي وبيانات الضرائب والسجلات الطبية والصحية، ليُصبح للمرة الأولى كمٌ هائل من المعلومات الشخصية في متناول طرف واحد قادر على استغلالها بكل سهولة.

ما هي تداعيات مثل هذا الأمر على حياتنا اليومية؟ ببساطة، قد تُستخدم هذه المعلومات لبناء نظام مراقبة واسع يشبه إلى حد كبير ما كنا نقرأ عنه في روايات الخيال العلمي. عند جمع كل هذه البيانات ووضعها في نظام موحد، سيُصبح من السهل جداً تتبع الأفراد، توجيه الإعلانات لهم، التأثير في قراراتهم المالية والاستهلاكية، وربما حتى القرارات السياسية والاجتماعية.

لكن الخطورة الكبرى تكمن في إمكانية إساءة استخدام هذه البيانات في إطار استهداف فئات أو أشخاص معينين بناءً على التوجهات السياسية أو الدينية أو أي توجهات شخصية أخرى. هذا ما دفع العديد من منظمات الحقوق المدنية وخبراء الخصوصية الرقمية لإطلاق صافرة التحذير، والضغط لتحسين الأُطر القانونية التي تحمي خصوصية المواطن وتمنع استغلال بياناته.

والمُثير في هذا الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلك حتى اللحظة قانوناً فيدرالياً شاملاً للخصوصية يُضاهي القوانين الأوروبية الصارمة مثل قانون حماية البيانات الأوروبي GDPR. في الواقع، لا تزال جهود تطبيق قانون شامل للخصوصية في الولايات المتحدة ضعيفة ومتفرقة، وهو ما يجعل المواطنين الأمريكيين أكثر عرضة لمثل هذه الانتهاكات، خصوصاً مع تزايد الاعتماد على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وتوظيفها.

في خضم هذه التغييرات، قد يطرح المواطن سؤالاً بسيطاً: ما الذي يمكنني فعله لحماية بياناتي الشخصية في ظل هذه الظروف؟ الحقيقة أن المسؤولية مشتركة، بين ضرورة الانتباه لما نشاركه من معلومات على الإنترنت، وبين مطالبة المواطنين المشرعين والجهات المسؤولة ببناء قوانين وأنظمة أكثر وضوحاً وقوة للحفاظ على بيانات الناس وصيانة خصوصيتهم.

ذو صلة

الرسالة واضحة: بياناتنا هي حياتنا، وحقوق الخصوصية هي من الحقوق الأساسية التي يجب علينا جميعاً، أفراداً ومنظمات، العمل على الدفاع عنها. لا يكفي أن تكون البيانات تحت تصرف شركات أو حكومات بدون قيود واضحة؛ ولذلك فإن اتخاذ تدابير لحماية بياناتنا بات أمراً ضرورياً أكثر من أي وقت مضى في عالمٍ الرقمية فيه تتحكم بجميع تفاصيل حياتنا.

ولكي يكون هذا المقال أكثر تأثيراً وملاءمة، ربما يمكن توضيح بعض المصطلحات بشكل أفضل، مثل تبديل مصطلح "بيانات ضخمة" بـ "المعلومات الشخصية واسعة النطاق" لإيصال الفكرة بشكل أوضح، أو إضافة جملة تربط بين موضوع الخصوصية والرقابة مع مثال من الحياة الواقعية لمساعدة القارئ على تصور الموقف بصورة أقوى. لكن يبقى الأهم دائماً أن نضع في اعتبارنا أن معركة حماية الخصوصية هي معركة حقيقية تستحق الاهتمام من قبل الجميع.

ذو صلة