ذكاء اصطناعي

هل وجدنا كوكبًا شبيهًا بالأرض؟ TRAPPIST-1e يلمّح إلى غلاف جوي قابل للحياة

محمد كمال
محمد كمال

4 د

يعتبر الكوكب TRAPPIST-1e على بعد 40 سنة ضوئية مرشحًا لوجود الحياة.

تحليل الغلاف الجوي أظهر وجود النيتروجين، وهو مؤشر إيجابي للحياة كما نعرفها.

التلسكوبات الحديثة تبحث في الغلاف الجوي للكواكب الخارجية عن مؤشرات حيوية مثل الميثان.

الأبحاث الإضافية ضرورية لتأكيد وجود الحياة، خاصة مع التحديات التقنية والملاحظات المحدودة.

التطورات المستقبلية قد تكشف عن أدلة قاطعة على حياة خارج الأرض بحلول عام 2060.

في تطور يحبس الأنفاس في عالم الفلك، أعلن باحثون أن الكوكب TRAPPIST-1e، الذي يبعد عن الأرض نحو 40 سنة ضوئية، قد يكون مكانًا واعدًا لوجود حياة، بعدما أظهرت تحاليل علمية حديثة أن له غلافًا جويًا غنيًا بالنيتروجين – عنصر يُميز غلاف الأرض ويهيئ الظروف المناسبة لازدهار الكائنات الحية.

بدأ علماء الفلك في رصد النظام النجمي TRAPPIST-1 منذ اكتشافه عام 2016، وذلك بسبب وجود سبعة كواكب على الأقل تدور حول نجمه القزم الأحمر الهادئ البرودة مقارنة بشمسنا. ما أثار الاهتمام آنذاك هو وقوع ثلاثة من تلك الكواكب داخل ما يعرف بـ"المنطقة القابلة للسكن" أو "منطقة الاعتدال الذهبي"، وهي المسافة المثالية التي تسمح بوجود الماء في حالته السائلة. وضمن هذا السياق، لطالما كانت أعين العلماء تتابع الكوكب TRAPPIST-1e على وجه الخصوص، إذ يقع في قلب هذه المنطقة الفريدة، وهو موقع يُرجح أن يقدم ظروفًا مؤاتية للحياة كما نعرفها.

ولكن الطريق إلى هذا الكشف لم يكن مفروشًا بالورود: بعد عدة محاولات لدراسة كواكب النظام بأجهزة الرصد المتطورة، ومنها تلسكوب جيمس ويب الفضائي، لم تُظهر أجزاؤها القريبة من المنطقة القابلة للسكن أي علامات لوجود غلاف جوي – ما أصاب المجتمع العلمي حينها بخيبة أمل. غير أن فريق الباحثين بقيادة الدكتور ريان ماكدونالد بجامعة سانت أندروز استمروا في عملهم المضني لتحليل ضوء النجوم بدقة أثناء عبور TRAPPIST-1e أمام نجمه. إذ يعتمد العلماء على دراسة التغير الطفيف في طيف الضوء، وهو المفتاح لمعرفة ما إذا كان للكوكب غلاف جوي، ومعرفة محتواه الكيميائي مثل النيتروجين، الميثان، أو حتى ثاني أكسيد الكربون.


تحديات تقنيات الرصد الحديثة

هنا تبرز صعوبة أخرى؛ فالنجم الأم لنظام TRAPPIST-1 يتميز ببرودته وكثافة عناصره المتداخلة مع قراءات رصد الكوكب، ما قد يتسبب في خلط توقيع الغازات الصالحة للحياة بين النجم وبين الكوكب. هذا الأمر فرض على الفلكيين ابتكار نماذج تحليلية معقدة واستغرق الأمر سنوات حتى خرجت النتائج الأولية. نتائج رصد عام 2023، التي اعتمدت على عدة مشاهدات من تلسكوب جيمس ويب المرموق، أوحت بأن هناك تغيرات دقيقة بغلاف TRAPPIST-1e يمكن تفسيرها عبر نموذج غني بالنيتروجين وربما تحوي آثارًا لجزيئات الميثان. وبالنسبة للباحثين، هذه الملاحظة تمثل الشعاع الأكثر تفاؤلًا منذ بداية استكشاف هذا النظام البعيد، وتزيد من الاحتمالات حول إمكانية احتواء هذا الكوكب على مناخ داعم للحياة.

ولأن العلم لا يقوم على التخمين، شدد العلماء أنفسهم على أن هناك حاجة لمزيد من الرصد المضني. فقط أربع عمليات رصد أجريت حتى الآن، وخطة الفريق تشمل الحصول على 15 رصدًا إضافيًا خلال العام المقبل لزيادة دقة التحاليل وتقليص هامش الخطأ. هذا يربط بين حذر العلماء وتطلعهم لإثبات أن TRAPPIST-1e ليس مجرد صخرة عارية من الهواء، بل موطن محتمل لجزيئات الحياة والماء السائل.


الحياة كما نعرفها: معايير صارمة وفضول لا ينضب

انطلاقًا من هنا، يجدر التأكيد على أن مجرد وجود الكوكب في مكان مناسب حول النجم لا يكفي. يشير المتخصصون إلى أن العنصر الحاسم في جاذبية الكواكب لاحتضان الحياة هو نوعية الغلاف الجوي، وليس فقط المسافة من النجم. فكوكب الزهرة مثلًا يقع في المنطقة القابلة للسكن بحسب بعض المعايير، لكن غلافه المليء بغاز ثاني أكسيد الكربون حوله إلى جحيم لا يطاق، بينما حول المريخ برودة غلافه إلى عالم متجمد. لهذا تظل الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كان TRAPPIST-1e يضم غازات مثل الأكسجين والميثان – والتي يرتبط وجودها عادة بالنشاط الحيوي والتمثيل الضوئي للكائنات الحية.

ويذهب بعض العلماء إلى أن العثور على الغلاف الجوي الغني بالأكسجين والنيتروجينفي كوكب خارج المجموعة الشمسية ربما يرتبط بشكل شبه مؤكد بوجود الحياة، بل وربما نباتات أو أنواع بدائية من الكائنات الدقيقة على الأقل. وفي حال ثبت علميًا ملائمة الظروف على TRAPPIST-1e، تكون البشرية أمام فرصة فريدة لدراسة تطوّر محتمل للحياة خارج الأرض، فقد أمضى هذا الكوكب ما يقارب 7.6 مليار عام يدور حول نجمه، أي أزمنة أطول من عمر الأرض نفسها، ما يمنح فرصة أكبر لتطور الحياة الذكية لو وجدت الظروف المناسبة.


مستقبل البحث عن الحياة خارج الأرض

ذو صلة

وبرغم كل تلك المؤشرات المثيرة، يظل العلماء أكثر تواضعًا وتحفظًا، فهم يدركون أن البيانات والنماذج وحدها لا تكفي للإفصاح عن وجود حياة، لكنهم يعتقدون أنه في العقود القادمة – وربما بحلول عام 2060 – سنكتشف حتمًا كواكب لا يمكن تفسير غلافها الجوي إلا بوجود العمليات الحيوية. وإلى ذلك الحين، سيواصل العلماء تطوير التكنولوجيا والسعي خلف إشارات الحياة عبر التحليل الطيفي، الرصد الفضائي، ودراسة الكواكب الخارجية الأبعد والأكثر إثارة في رحلتنا لاستكشاف الكون.

خلاصة القول، أن TRAPPIST-1e اليوم يمثل رمز الأمل في الأوساط العلمية لمتابعة البحث عن المياه، الأكسجين، مركبات الغلاف الجوي، وعلامات الحياة، في مشوار طويل بدأ للتو نحـو فهم أعمق لما قد يختبئ خلف حدود مجموعتنا الشمسية، وربما، لمقابلة جيران كونيين لم نعرف بعد عنهم شيئًا.

ذو صلة