ذكاء اصطناعي

 هل يأكل دماغك نفسه أثناء الماراثون؟ علماء يكتشفون تفاصيل قد تفيد مرضى التصلب المتعدد

محمد كمال
محمد كمال

3 د

توصلت دراسة حديثة إلى أن الدماغ يستهلك المايلين خلال الماراثون.

استخدام الدماغ للمايلين كمصدر للطاقة قد يكشف طرق علاج جديدة.

المايلين يتعافى تدريجياً بعد الماراثون، مما يبرز قدرة الدماغ على التجدد.

قد تفيد النتائج مرضى التصلب المتعدد بتطوير علاجات لتحفيز تجديد المايلين.

توصي الدراسة بفهم أعمق لتأثير النشاط البدني على الجهاز العصبي.

قد يبدو من الغريب القول إن عقلك يبدأ باستهلاك نفسه أثناء ركضك لمسافات طويلة، لكن هذا ما كشفته دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة «نيتشر ميتابولزم» مؤخراً. ومع أن هذا قد لا يشجعك كثيراً على الجري لمسافة 42 كيلومتراً، إلا أن هذه النتائج الجديدة قد تفتح آفاقاً لعلاج الأمراض الصعبة مثل التصلب المتعدد.

ببساطة، يغطي الأعصاب في الدماغ مادة تسمى "المايلين"، وهي دهون تعمل كعازل يحمي خلايا الأعصاب ويساعد على نقل الإشارات العصبية بشكل فعال وآمن بين الخلايا. لكن المفاجأة التي توصل إليها العلماء، أن الدماغ قد يلجأ لهذه الدهون كمصدر للطاقة عند تعرضه لظروف استثنائية مثل نفاد مصادر الطاقة الأساسية في الجسم خلال الماراثون.


كيف يستهلك الدماغ نفسه خلال الماراثون؟

عند أداء التمارين الشاقة والتي تستدعي الجهد لفترة طويلة مثل سباق الماراثون، يبدأ الجسم أولاً بحرق مخزوناته الأساسية من الوقود مثل الجلوكوز والكربوهيدرات المخزنة في العضلات والكبد على شكل غليكوجين. لكن عندما ينتهي هذا المخزون، يتجه الجسم نحو مصادر بديلة مثل الدهون في الجسم، والتي تشمل -وفق اكتشاف العلماء مؤخراً- دهون المايلين في الدماغ.

قام الفريق البحثي بقيادة البروفيسور كارلوس ماتوتي بالاستعانة بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لفحص دماغ مجموعة من العدائين، وجمعوا صوراً قبل الماراثون بيومين، ثم بعد أسبوعين من انتهائه، وأخيراً بعد مرور شهرين. وكانت النتائج واضحة: بعد إنهاء الماراثون، انخفضت مستويات المايلين بمناطق مختلفة متعلقة بالتنسيق العضلي والمهارات الحسية والعاطفية.

ومع متابعة هذه المستويات بعد أسبوعين، لاحظ الفريق أن المايلين بدأ بالتعافي التدريجي، لكنه لم يرجع تماماً لمستواه الأساسي بعد. إلا أنه بعد شهرين كاملين، تعافت المستويات بشكل كامل وعادت لسابق عهدها قبل المشاركة في السباق.

وهذه النتائج تفتح الباب واسعاً لتساؤلات مثيرة حول مدى قدرة الدماغ المذهلة على تجديد نفسه، حتى وإن تعرض لتجارب قاسية كالجري لمسافات طويلة.

وتتجه أهمية هذه النتائج نحو أمراض – مثل التصلب المتعدد - التي تعاني من فقدان تدريجي في طبقة المايلين المهمة للأعصاب، وهي أمراض تؤدي إلى اضطرابات عصبية نتيجة تلف هذه الطبقة العازلة. إذ يقول قائد الفريق البحثي، ماتوتي، إن "فهم هذه الآلية التي تجعل الدماغ يسترد وبسرعة هذه الطبقة الحيوية قد يقودنا إلى تطوير علاجات فعالة تحفز الدماغ لإعادة إنتاج المايلين في الحالات المرضية".

وهذا الربط بين القدرة الهائلة للدماغ على التعافي وإمكانية علاج الأمراض العصبية قد يكون بصيص الأمل الذي ينتظره المصابون بالتصلب المتعدد. ولعل استخدام هذه المعرفة العلمية سيشكل خطوة مهمة لتطوير علاجات مستقبلية، ما يعطي مزيداً من الأمل لمرضى هذه الأمراض المزمنة.

ذو صلة

قد تبدو هذه النتائج مفزعة وغريبة بدايةً، خصوصاً فكرة أن الجسم يمكنه الاعتماد على الدماغ في توفير الطاقة. لكن الخبر الجيد كما يؤكد الباحثون أن الضرر ليس دائماً ويمكن للدماغ التعافي بشكل كامل. حيث لا يعني هذا الابتعاد عن ممارسة الرياضة، فممارسة الجري والتمارين تبقى مهمة ومفيدة بشكل كبير لأجسادنا وعقولنا، لكن من الضروري أخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار خصوصاً لمن يعانون من أمراض تؤثر أصلاً على طبقات الأعصاب كالمايلين.

ختاماً، هذه الدراسة لا تقدم نصيحة طبية، لكنها تسلط الضوء على نتاج علمي جديد يمكن أن يفتح أبواب علاجات مرتقبة. ولعل التركيز مستقبلاً على دور أنشطة أبسط من الماراثون ومدى تأثيرها على الدماغ قد يساهم في توفير عُمق أكبر للدراسة. وإضافة فقرات تربط بين هذه النتائج وتوصيات حياتية أو رياضية واقعية بشكل واضح سيجعل من المقال أكثر التصاقاً باهتمامات القراء وأكثر فائدة في حياتهم اليومية.

ذو صلة