هل يمكن إزالة الماء رقميًا؟ تقنية جديدة تجعل أعماق البحار مرئية كما لم نرها من قبل

3 د
كشف العلماء عن تقنية "SeaSplat" للرؤية الحقيقية لألوان قاع البحار.
تعتمد التقنية على خوارزميات تصحيح الألوان لتصوير الأعماق البحرية بوضوح.
تُمكّن من تقديم صور ثلاثية الأبعاد مع معالجة فورية عبر روبوتات الاستكشاف.
تُسهم التقنية في تحسين فهمنا للتنوع البيولوجي البحري وحالة الشعاب المرجانية.
التحديات تتضمن الحاجة إلى إمكانيات حاسوبية عالية، لكنها تستمر بالتطور السريع.
في تطور مذهل لعالم العلوم البحرية، كشف معهد “إم آي تي” بالتعاون مع مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات عن أداة جديدة تحمل اسم “SeaSplat”، قادرة على تصحيح ألوان الصور تحت الماء لتعرضها بشكل واقعي كما لو لم يكن الماء موجودًا أصلاً. هذه القفزة العلمية قد تفتح آفاقًا جديدة لفهم أسرار أعماق المحيطات وحالة الشعاب المرجانية والتنوع البيولوجي البحري.
تُعتبر رؤية الأعماق البحرية بوضوح مهمة شبه مستحيلة، إذ يعمل الماء كحجاب كثيف يمتص الضوء ويبعثره بشكل يعقّد من عملية التصوير. لهذا تبدو الكائنات والمعالم البحرية باهتة اللون أو ضبابية، خاصة عند التصوير من مسافات بعيدة أو بوجود جزيئات عالقة. ومع ذلك ظهر الآن بصيص أمل جديد مع ظهور SeaSplat، الأداة التي تعتمد على خوارزميات تصحيح الألوان وتقنيات ثلاثية الأبعاد لتقديم صور ومقاطع بصرية للقاع البحري بألوان طبيعية وتفاصيل دقيقة.
تقنية تصحيح الألوان: كأنك ترى بلا ماء
يعتمد SeaSplat في عمله على معالجة التشوّهات البصرية الشهيرة تحت الماء، مثل ظاهرة “الارتداد الخلفي” (backscatter) التي تظهر نتيجة انعكاس الضوء على الجسيمات العالقة، وظاهرة “توهين الضوء” (attenuation) التي تتسبب في فقد بعض الألوان لسطوعها مع ازدياد المسافة. وبناءً على حسابات دقيقة لكل بكسل في الصورة، تزيل الأداة تأثير تلك التشوّهات وتحسب اللون الحقيقي لكل تفصيل، لتنتج أخيرًا صورة ثلاثية الأبعاد غنية بالألوان وشديدة الواقعية. وهذا يرفع بشكل كبير من جودة النماذج الرقمية للمشاهد البحرية، ويمكّن الباحثين من استكشاف الوضع البيئي بدقة لم تكن متاحة من قبل.
وبالانتقال من الأساسيات التقنية، تظهر قوة "SeaSplat" في قدرتها على دمج العديد من الصور الملتقطة من زوايا مختلفة وتحويلها إلى عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد يمكن التنقل فيه افتراضيا، سواء بغرض دراسة الشعاب المرجانية أو تقييم مظاهر تبييض المرجان.
أداة واعدة لمستقبل البحث البحري
وتأتي أهمية هذا الابتكار ليس فقط في الدقة وسرعة الأداء، بل في إمكانية تفعيله مع روبوتات الاستكشاف تحت الماء أو من على متن السفن البحثية، حيث تستطيع الأداة معالجة الصور لحظياً وبث نماذج ثلاثية الأبعاد قابلة للاستكشاف التفاعلي. وهنا يبرز الرابط بين تطور تقنيات التصوير البحري والطموح المتجدد للعلماء في مراقبة صحة النظم البيئية وتغيراتها، خاصة مع تسارع ظواهر مثل فقدان ألوان المرجان (bleaching) أو التحولات في توزيع الكائنات البحرية.
وباعتبار البحار تغطي أكثر من ثلثي سطح الأرض وتضم أرشيفًا ضخمًا للحياة البحرية وتغيرات المناخ، فإن “SeaSplat” قد تسرّع من فهمنا للمحيط وتدعم جهود حفظ الطبيعة والتنوع البيولوجي بشكل فعال. وهنا تظهر حاجة المجتمع العلمي والملاّحين لاستكشاف المزيد من المحيطات بدقة أكبر، وربما إسهام هذه التقنية في رسم خرائط بيئية دقيقة وفورية.
تحديات المرحلة القادمة
ورغم هذا التفوق، إلا أن اشتراطات الأداة على صعيد الإمكانيات الحاسوبية- مثل الحاجة إلى أجهزة كمبيوتر قوية، قد تقيد في الوقت الحالي استخدامها على متن الغواصات الصغيرة أو المركبات الغاطسة. لكن مع التطور السريع في الحوسبة وتقنيات المعالجة البصرية، يُتوقع أن يتقلّص هذا التحدي قريبًا، لتصبح SeaSplat جزءًا من الروتين اليومي لطواقم البحث البحري حول العالم.
وهذا يتصل مباشرة بجهود الجامعات الكبرى والمؤسسات المتخصصة في تطوير تقنيات استشعار وتصوير جديدة للبيئات البحرية، ما قد يعزز قدرتنا على مراقبة المحيطات وفهم قصصها المتجددة.
خلاصة وتطلّع للمستقبل
يبدو أن “SeaSplat” تمثل نقطة تحوّل رئيسية في استكشاف المحيطات، حيث تجمع بين تصحيح الألوان، إعادة بناء المشاهد ثلاثية الأبعاد، السرعة والدقة. من يدري، ربما خلال سنوات قليلة فقط سنكون قادرين على "الغوص الافتراضي" في أي بقعة من العالم، وملاحظة صحة الشعاب المرجانية وكأننا في قلب الحدث، بفضل هذه النقلة العلمية النوعية. ومع استمرار الأبحاث والدعم المؤسساتي من جهات مثل وكالة العلوم الأمريكية ومؤسسات الاستثمار في العلوم، تزداد الآمال بأن أسرار عالم أعماق المحيطات سترى النور بألوان لم نعتدها من قبل.