ذكاء اصطناعي

هل يٌعقل: الكائنات الفضائية هي سبب وجودنا اليوم!!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

دراسة حديثة تثير تساؤلات حول دور الكائنات الفضائية في ظهور الحياة على الأرض.

الباحث إندرس يشير إلى صعوبة نشوء الحياة من تفاعلات كيميائية عشوائية.

يفترض أن الحياة تحتاج معلومات مشفرة دقيقة تتجاوز ظروف الأرض البدائية.

تطرح فرضيات "البانسبيرميا" و"البانسبيرميا الموجهة" كبدائل مثيرة للنقاش.

تشير النتائج إلى البحث عن تفسيرات جديدة لجذور الحياة وتاريخها.

ما زال سرّ نشأة الحياة على كوكبنا واحداً من أكثر الأسئلة حيرةً للمجتمع العلمي. دراسة جديدة صدرت حديثاً تدق ناقوس الشك حول المسارات التقليدية لتكوّن الحياة مستخدمة أحدث النماذج الرياضية ونظرية المعلومات، وتفتح الباب أمام فرضيات قد تصدم الكثيرين: فهل كان للفضاء أو حتى لكائنات ذكية من خارج الأرض دور في ظهورنا؟

في قلب الجدل الذي يعيشه علماء الأحياء والكيمياء، تأتي هذه الدراسة للباحث روبرت جي. إندرس والتي نُشرت في يوليو 2025، لتقلب الموازين فيما يتعلق بإمكانية نشوء خلية حية من تفاعلات كيميائية عشوائية في ظروف الأرض البدائية. الباحث استخدم نظريات رياضية محكمة ليكشف أن احتمال ظهور الحياة تلقائياً من مادة غير حية أقل بكثير مما تصور العلماء سابقاً. وكأن الأمر يشبه رمي أحرف عشوائية على صفحة وتوقع قراءة جملة كاملة ومترابطة؛ فكلما ازدادت تعقيد الجملة، قل احتمال تكوّنها مصادفة. هذه النتيجة تربطنا حتماً بمفهوم أن ترتيب الجزيئات العضوية بشكل منطقي ومنظم ليس عملية تلقائية يسهل حدوثها في الطبيعة.

وهذا الاستنتاج يدفعنا للتعمق أكثر في معنى "التعقيد" الذي يتطلبه ظهور الحياة. فوفقاً للدراسة، يحتاج تكوين خلية أولية (بروتوسيل) إلى معلومات مشفرة ضخمة ينبغي ترتيبها بدقة جبارة. يوظف إندرس في تحليله مفاهيم من نظرية المعلومات والتعقيد الخوارزمي، حيث يهتم الأخير بعدد الخطوات الأدنى اللازمة لوصف نظام ما. وكلما زاد تعقيد النظام، مثل الكائن الحي، تضاعفت الصعوبة في ظهوره عشوائياً. باختصار، يرى إندرس أن حمل المعلومات المطلوب لتشكيل مثل هذا النظام يفوق كثيراً القابلية الفيزيائية للظروف التي سادت الأرض خلال زمن نشوء الحياة.


النشوء وسط "حاجز الفوضى


في هذا السياق، توضح الدراسة أن الأنظمة الطبيعية تميل تلقائياً نحو الفوضى (المصطلح العلمي: الإنتروبيا)، في حين أن الحياة تتطلب بناءً منظماً للغاية ومنظومات ذاتية التصحيح والتكرار. ومن دون وجود محفزات قوية للترتيب، فإن الاحتمال الأكبر أن تسفر التفاعلات الكيميائية بين الجزيئات عن مركّبات غير منظمة وغير قادرة على الاستمرارية أو التكرار الذاتي. يتضح أن الفاصل بين الهدم والبناء في ظروف الأرض لم يكن في صالح نشوء الحياة، خاصة مع ضيق الوقت الذي سبقت خلاله الحياة ظهور الإنسان بملايين السنين فقط. وهذا الربط بين ضرورة وجود أنظمة تنظيمية محكمة وبين الشروط الفوضوية للأرض المبكرة يجعلنا نتساءل: أيمكن أن يكون هناك تفسير آخر أكثر منطقية؟

هنا تبرز فرضية "البانسبيرميا" (نقل الحياة عبر الفضاء) كمقترح بديل. إذ تستند إلى فكرة أن الحياة، أو مكوناتها الأساسية مثل الأحماض الأمينية أو حتى البذور الميكروسكوبية، ربما انتقلت للأرض مع شهب أو نيازك وافدة من أعماق الفضاء. وهناك نظرية أكثر جرأة، وهي "البانسبيرميا الموجهة"، التي تلمّح لإمكانية تدخل حضارات ذكية خارج الأرض في زرع بذور الحياة هنا عمداً. ومع أن هذه الاحتمالات لازالت حتى الآن ضمن دائرة الجدل والتخمين ولا تلقى قبولاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية التقليدية، إلا أن تعقيدات الدراسة الجديدة تدعم منطقياً ضرورة أخذها بعين الشك العلمي.

ومع ذلك، يحذر إندرس نفسه من الانجرار السريع وراء التفسيرات المعقدة عندما تبقى الأدلة المادية شحيحة، مشيراً إلى مبدأ "شفرة أوكام" الذي يدعو لاختيار أكثر الفرضيات بساطة. ومع هذا، يبدو أن حسابات النماذج الرياضية تقرع باب الاحتمالات غير التقليدية أياً كانت غرابتها.

ذو صلة

وفي المحصلة، فإن استنتاجات الدراسة تسلط الضوء على فجوات معرفية مهمة لا تزال قائمة في فهم آليات نشأة الحياة. النتائج ترجح بأن نشوء الحياة لم يكن مجرد صدفة كيميائية، بل ربما كان وراءه عوامل أو قوانين فيزيائية نجهلها بعد. وهذا يدفع المجتمع العلمي للبحث عن تفسيرات جديدة، سواء داخل المختبرات الأرضية أو في أعماق المجرات، مما قد يمهّد لوضع نظريات أكثر شمولية حول جذور الحياة وتاريخها.

كل هذه التساؤلات تجعل من موضوع نشأة الحياة لغزاً علمياً مفتوحاً، وتعيد طرح السؤال الأبدي: هل نحن فعلاً نتاج ظروف عشوائية؟ أم أن أسرار الحياة حملتها لنا رياح الكون؟ هكذا تستمر الرحلة العلمية، بين الشك والدهشة، بحثاً عن أصل الحكاية.

ذو صلة