ذكاء اصطناعي

هل يُعقل؟ تحت أمواج الأطلسي… اكتشاف بحيرة سرية من المياه العذبة تكفي مدنًا لعقود!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

اكتشاف خزان ضخم للمياه العذبة تحت المحيط الأطلسي يثير الأمل بحل شح المياه.

البعثة العلمية "إكسبيديشن 501" استخدمت منصة نفط لحفر 400 متر تحت قاع المحيط.

أحواض المياه الجوفية البحرية توفر احتياطي استراتيجي للمستقبل وتقلل من شح المياه.

دراسات تحدد مصدر المياه لمعرفة إن كان الخزان موردًا مستدامًا أم احتياطيًا محدودًا.

الاستغلال غير المحسوب قد يؤدي لاختلال التوازن البيئي والنظم البحرية.

هل تخيلت يوماً أن أعماق المحيط الأطلسي قد تخبئ بين ثناياها كنزاً من المياه العذبة، قد يغير قواعد اللعبة في معركة البشرية ضد نقص المياه؟ في اكتشاف علمي مثير، أعلن فريق دولي من الباحثين عن وجود طبقات ضخمة من المياه الصالحة للشرب مخبأة تحت قاع المحيط الأطلسي، ما قد يشكل ركيزة جديدة لحل مشكلة شح المياه حول العالم.

في تفاصيل تعيد فتح ملف قديم، تعود القصة إلى سبعينات القرن الماضي. حينها، وأثناء التنقيب عن النفط قبالة سواحل شمال شرق الولايات المتحدة، فوجئ العلماء بوجود مياه عذبة على أعماق كبيرة من طبقات الأرض البحرية. كان الأمر آنذاك أشبه بلغزٍ محير، ولم تكن لدى الباحثين الأدوات الكافية لسبر أغوار هذا الاكتشاف أو فهم أبعاده. اليوم، وبعد عقود طويلة، يأتي هذا الكشف ليعيد رسم معالم الأمل بالنسبة لملايين يعتمدون على مصادر المياه الشحيحة أو المهددة بالجفاف.

وبالعودة إلى الحاضر، انطلقت في صيف 2025 بعثة علمية فريدة باسم "إكسبيديشن 501". استغلت البعثة منصة صناعية عائمة تُستخدم عادةً في حقول النفط، وشرعت في عمليات حفر وصلت إلى قرابة 400 متر أسفل قاع المحيط بالقرب من رأس كيب كود. المفاجأة كانت باسترجاع آلاف الليترات من المياه العذبة تقريباً، إذ بلغت نسبة الملوحة فيها مستوى يقارب ذلك الموجود في ينابيع المياه الجوفية على اليابسة. وهذا يوضح للعالم أن هناك بالفعل خزاناً هائلاً يمكن أن يمد مدينة ضخمة مثل نيويورك بالماء لقرون متعاقبة دون انقطاع.


دور الأحواض الجوفية البحرية في مستقبل المياه

وتسمى هذه الاحتياطيات الجديدة “الأحواض الجوفية البحرية”، وهي مناطق مشبعة بالمياه العذبة موجودة تحت طبقات من الصخور الرملية والطين في قاع البحر. أهمية هذه الاكتشافات تتعاظم مع ازدياد الطلب العالمي على الماء، في حين تشير تقارير الأمم المتحدة إلى خطر مواجهة نقص في إمدادات المياه بنسبة 40% مع حلول عام 2030. العديد من العواصم والمدن الكبرى مرّت بالفعل بتجارب الجفاف الحاد وخطوط الطوارئ لإنقاذ السكان من العطش. إذن، وجود خزان مياه عذبة ضخم قبالة السواحل قد يوفّر احتياطي طوارئ إستراتيجي للمستقبل القريب.

ولمعرفة المزيد حول منشأ هذه المياه، ينكب فريق دولي من علماء الجيولوجيا والهيدرولوجيا على دراسة عينات المياه وتحديد عمرها. هنالك نظريتان: إحداهما تشير إلى كون المياه قد ترسبت في الطبقات الجوفية خلال الحقبة الجليدية الأخيرة عندما ذابت الأنهار الجليدية، بينما تقترح الأخرى أن المياه مصدرها تسرب تدريجي للمياه من اليابسة إلى قاع البحر بفعل ارتفاع مستويات البحر. نتيجة هذه التحاليل ستكون جوهرية في تحديد ما إذا كان الخزان قابل للتجديد بشكل مستمر “مورد مستدام” أو مجرد احتياطي محدود يتوجب توخي الحذر عند استغلاله.

وهنا تبرز المخاوف البيئية، فخبراء مثل روبرت إيفانز من معهد وودز هول للأبحاث يحذّرون من أن أي استخدام مكثف غير محسوب لهذا الخزان قد يؤدي إلى اضطراب التوازن البيئي تحت الماء ويهدد الكائنات الدقيقة والنظم البيئية التي تعتمد على تسرب المياه العذبة البطيء إلى المحيط.


الصعوبات والتحديات التقنية: إمكانيات واقعية أم حلم بعيد؟

أما على صعيد العمليات الهندسية، فعلى الرغم من جاذبية الفكرة، فإن سحب المياه من مثل هذه الأعماق يتطلب تجهيزات متقدمة للغاية واستثمارات ضخمة في البنية التحتية البحرية. الأمر لا يقتصر على تكاليف الحفر والنقل فحسب، بل يتعداه إلى الجوانب القانونية: من له الحق أساساً في استغلال موارد طبيعية تقع تحت أعماق البحار أو بالقرب من المياه الدولية؟ هذا سؤال معقد سيتطلب تعاوناً بين الحكومات والمنظمات الدولية لوضع أطر واضحة للاستخدام العادل والمستدام.

هذه التفاصيل تنقلنا إلى نقطة جوهرية هي المسؤولية المشتركة؛ فتح الخزانات الجوفية البحرية أمام الاستنزاف سيستلزم ملاحظة دقيقة لتأثير ذلك على دورة المياه الكونية، والتوازن المناخي، والتنوع الحيوي.


أفق جديد يلوح في الأفق

ذو صلة

في ظل استمرار لجنة البعثة الدولية في تحليل العينات وجمع البيانات، يتطلع العالم لنتائج رسمية كاملة قد تُنشر خلال الأشهر المقبلة تكشف عن الأثر الفعلي لهذا الخزان وآفاق استخدامه، سواء كحل مؤقت لأزمات المياه الطارئة، أو كمصدر مستدام طويل الأمد يزيد من قدرة المجتمعات البشرية على مقاومة الجفاف وتغير المناخ. هكذا، يجد قطاع المياه العذبة نفسه وجهاً لوجه أمام فرصة نادرة: استعادة التوازن لموارد الكوكب، إذا أُحسن التعامل مع هذا الكنز الجديد بعلم وحكمة واحتياط.

في النهاية، يظل اكتشاف الماء العذب المدفون في عمق الأطلسي رسالة أمل متجددة للعالم، ودعوة لمواصلة البحث والابتكار، ودرساً في احترام الموارد الطبيعية وتشاركها من أجل المستقبل.

ذو صلة