ذكاء اصطناعي

هوندا تدخل سباق الفضاء: إنجاز جديد في تجربة إطلاق صاروخ قابل لإعادة الاستخدام

محمد كمال
محمد كمال

3 د

هوندا تنجح في تطوير صاروخ صغير قابل لإعادة الاستخدام بإقلاع وهبوط عمودي.

انطلقت المركبة التجريبية إلى ارتفاع 271 مترًا وعادت بدقة إلى نقطة الهبوط.

ترسخ التجربة طموحات هوندا في نقل خبرتها الهندسية إلى الابتكارات الفضائية.

تخطط هوندا لإطلاق مركبة شبه مدارية بحلول عام 2029 كمستقبل لأبحاثها الفضائية.

تسعى الشركة لدمج تقنياتها في الصواريخ مع صناعاتها الذكية والسيارات ذاتية القيادة.

في خطوة جريئة تعكس روح الابتكار والطموح لدى شركة هوندا، فاجأت عملاق السيارات الياباني العالم بإعلان نجاح اختبارات أول صاروخ صغير من تطويرها، يتمتع بقدرة الإقلاع والهبوط العمودي، ما يضعها ضمن قائمة قليلة من الشركات العالمية التي اقتحمت هذا المجال التقني المتطور.

شهدت منطقة تايكي في جزيرة هوكايدو اليابانية، يوم 17 يونيو، لحظة مصيرية في تاريخ هوندا، حين انطلقت مركبتها التجريبية لتصل إلى ارتفاع يناهز 890 قدماً (قرابة 271 متراً) قبل أن تعود وتهبط بدقة بالغة لا تتعدى 37 سنتيمتراً عن نقطة الهبوط الأصلية، في رحلة قصيرة لم تتجاوز دقيقة واحدة. أعلنت الشركة أن التجربة حققت الأهداف المخطط لها، وتم جمع بيانات دقيقة عن الصعود والهبوط، مما يمهّد لتطوير أوسع في تكنولوجيا الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام.

هذه التجربة تأتي لتتوج جهود هوندا المستمرة في نقل كفاءتها الهندسية من عالم المركبات الأرضية إلى الابتكارات الفضائية، وهو ما يربط بين التطوير في تقنيات دفع الاحتراق وأنظمة التحكم المتقدمة وبين الحاجة العالمية المتزايدة لتقنيات الملاحة الفضائية وخدمات الأقمار الصناعية.


توسيع الطموحات خارج حدود السيارات

لم تكن تجربة الصاروخ القابل لإعادة الاستخدام بمثابة مغامرة استثنائية فحسب، بل تمثل أيضاً توجهاً استراتيجياً نحو صناعة الفضاء. تعود بداية اهتمام هوندا بمجال الفضاء إلى عام 2021، حين كشفت الشركة عن خطط لتطوير صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، ورؤيتها لإنشاء نظام للطاقة المتجددة على سطح القمر، وتطوير خدمات المراقبة الفضائية والاتصالات. ولعل هذا يتناغم مع استراتيجية هوندا لتوسيع تقنياتها المستقبلية وربطها بخدمة صناعات النقل الذكي والمركبات ذاتية القيادة.

ومع هذا الإنجاز الفريد، انضمت هوندا إلى قائمة محدودة تضم شركات أمريكية وصينية عريقة نجحت سابقاً في إطلاق صواريخ تهبط عمودياً وتُستخدم مجدداً، مثلما تفعل شركات مثل "سبيس إكس". وهذا يوضح كيف تسعى الشركات التكنولوجية الكبرى في العالم إلى دمج خبراتها في الطاقة وأنظمة الذكاء الصناعي بأبحاث الفضاء المتقدمة.


الابتكار يجمع الحماس والتقنيات العالية

تستند هذه المبادرة بالأساس إلى طموحات مهندسي هوندا الشباب، الذين وجدوا في مشروع الصاروخ فرصة لتجسيد تطور الشركة في التحكم الإلكتروني، الأنظمة الذكية، والدفع الصاروخي، وكأنها حلقة وصل بين علوم السيارات وهندسة الفضاء. وتبرز في تصريحات المدير التنفيذي للشركة، توشيرو ميبي، روح التفاؤل قائلاً: "يسرنا أن نعلن إتمام الإطلاق والهبوط بنجاح. نؤمن أن البحث في الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام استثمار جوهري في قوتنا التكنولوجية." ويكمن في هذه الرسالة دافع قوي لاستكمال أبحاث الشركة في مجال إطلاق المركبات دون رواد وتقديم حلول جديدة للخدمات الفضائية.

ومن هذا المنطلق، تشير الخطط المستقبلية لهوندا إلى هدف إطلاق مركبة شبه مدارية بحلول عام 2029، مع التركيز في الوقت الحالي على مرحلة البحث والتطوير دون اتخاذ قرار نهائي بشأن تجاريّة المشروع. وهذا التريث يعبّر عن إدراك الشركة لمدى تعقيد المنافسة في سوق الفضاء مع عمالقة الحكومات والشركات الخاصة حول العالم.

ومع وضوح الأثر التقني لمثل هذه الابتكارات، فإن المشروع يحمل كذلك أبعاداً تجارية كبيرة، حيث تدخل صناعة الأقمار الصناعية، خدمات الإنترنت الفضائي، والطاقة المتجددة ضمن دائرة اهتمام هوندا للنمو في العقود المقبلة.


نحو عصر جديد من الابتكار الياباني في الفضاء

ظهور هوندا لاعباً جديداً في صناعة الصواريخ غير التقليدية يمثل نقلة نوعية للقطاع الفضائي الياباني، ويمنح مجال الهندسة الفضائية زخماً جديداً، خاصةً مع تصاعد أهمية نظم الملاحة عبر الأقمار الصناعية، تقنيات الدفع الكهربائي، الطاقة المتجددة وأنظمة الذكاء الاصطناعي في رسم مستقبل النقل والاتصالات على سطح الأرض وفي الفضاء معاً.

ذو صلة

ولكي تبقى هوندا في مقدمة السباق، يمكنها مثلاً استبدال كلمة "مبادرة" بـ"ريادة" في خطابها الإعلامي لتعزيز صورة الشركة كمبتكر عالمي. كما أن تضييق تركيز الخطاب على أهمية التكامل بين الصناعات الفضائية والتقنيات المتجددة قد يمنح الرسالة مزيداً من العمق. وأخيراً، فإن إضافة جملة تربط بين خبرتها العريقة في هندسة السيارات وهذا التحول الجريء نحو تقنيات الفضاء تبرز التلاقي الفريد بين الماضي المجيد والطموحات المستقبلية.

بهذا الإنجاز، تثبت هوندا أن حدود الابتكار أبعد بكثير من الطرقات، وقد اقترب زمن تصبح فيه سياراتها وصواريخها تحمل توقيعاً واحداً على الأرض وفي الفضاء معاً.

ذو صلة