وداعًا لسماعات إلغاء الضوضاء… الأشجار تفعلها مجانًا!

4 د
تساعد الأشجار على امتصاص الضوضاء، مما يحسن من الهدوء وجودة الحياة في المدن.
الأشجار مثل السرو والصنوبر فعالة في تقليل التلوث الصوتي بفضل أوراقها الكثيفة.
بخلاف الجدران الخرسانية، توفر الأشجار فوائد إضافية كتنقية الهواء وخلق موائل للكائنات الحية.
يمكن للأفراد المساهمة بغرس الأشجار لتعزيز الهدوء وتحسين البيئة الحضرية.
تشجير المدن بشكل مخطط ومستدام يسهم في بناء مجتمعات أكثر صحة وجمالاً.
تخيل نفسك تحاول النوم وسط ضجيج لا ينتهي من السيارات وأصوات البناء وصوت صفارات الإنذار يدوي باستمرار خارج نافذتك، هذا المشهد ليس غريباً على من يعيش في المدن الحديثة. التلوث الضوضائي لم يعد مشكلة ثانوية، بل تحوّل إلى تحدٍ يومي يهدد صحة السكان ويؤثر بصمت على جودة حياتهم. هذا التلوث الصوتي يؤثر ليس فقط على أعصاب الناس، بل يمتد ليطال صحة القلب والضغط النفسي، وحتى النظام الحيوي للطيور والكائنات الأخرى.
ومع سعي المدن للبحث عن طرق للحد من هذا الضجيج، برزت فكرة جديدة تعود لجذورها في الطبيعة: استخدام الأشجار والنباتات كحواجز طبيعية للصوت. بعيداً عن الجدران الإسمنتية الصماء، وجد الباحثون أن للأشجار قدرة عجيبة على “ابتلاع” الأصوات وامتصاصها، بفضل أوراقها الكثيفة وفروعها المورقة. فكيف يحدث ذلك بالضبط ولماذا تعتبر الخضرة أفضل حليف للهدوء في المدن المكتظة؟
الأشجار وعزل الضوضاء: كيف تعمل الطبيعة كعازل صوتي؟
فعند النظر إلى خطوط الأشجار الممتدة بمحاذاة الطرق السريعة في بعض المدن، نجد أنها ليست دائماً مجرد إضافة جمالية. الأشجار تلعب دور حاجز صوتي ديناميكي يمتص، ويشتت، ويعكس الموجات الصوتية القادمة من الشوارع أو المصانع. السر يكمن في أوراقها وفروعها الغزيرة: فكلما زادت كثافة الغطاء النباتي وارتفاع الأشجار، زادت قدرتها على تقليل انتقال الضجيج. المناطق الخضراء وحدائق المدينة لا تضبط الصوت وحسب، بل تمنحه مذاقاً أقل حدة، فيخفّف من تهيّج الأعصاب ويحسّن الصحة النفسية بشكل ملحوظ.
وبالانتقال من دور الأشجار في خفض الضوضاء، يجدر بنا أن نشير إلى فارق جوهري بينها وبين الأساليب التقليدية كالأسوار والجدران الاسمنتية.
الفرق بين الأساليب التقليدية والعلاجات الطبيعية للضوضاء
ربما تبدو الجدران الخرسانية الطريقة الأسرع لحجب الضجيج، لكنها تبقى حلولاً جامدة ولا تكاد تقدم أي فوائد بيئية أو مشهدية. الكتل الخضراء من الأشجار والنباتات لا تقتصر على امتصاص الصوت، بل تساعد في تنقية الهواء ورفع مستويات الأكسجين ومدّ المدينة بالانتعاش، وهي في الوقت نفسه موطن لأسراب الطيور الصغيرة وتنوع الكائنات الحية. ويذهب علماء البيئة أبعد من ذلك، إذ أثبتت الدراسات أن قضاء الوقت في المناطق الخضراء يقلل مستويات التوتر بشكل لافت بالمقارنة مع الأحياء الإسمنتية الخالية من النباتات. وهكذا، حين تختفي الجدران الصماء خلف أطواق الأشجار، لا ينخفض مستوى الضجيج فحسب، بل تتحسن جودة الحياة في الحي بأكمله.
وبعد تتبع الفوائد البيئية والاجتماعية للأشجار، يبرز سؤال آخر لدى المهتمين: هل كل الأشجار متساوية في قدرتها على صد الضوضاء؟
اختيار الأنواع المناسبة: ليست كل الأشجار سواء في مواجهة الضجيج
هناك فروق واضحة في مقاومة الضجيج بين أنواع النباتات. فمثلاً، الأشجار ذات الأوراق الكثيفة والكبيرة، والأغصان المتداخلة مثل السرو، والكينا، والصنوبر، أثبتت فعالية أكبر في حجب الأصوات. كما أن ارتفاع الشجرة وسُمك لحائها يلعبان دوراً حاسماً، إذ تعزز الطبقات المتتالية من الأوراق والأغصان عملية امتصاص أو انعكاس الموجات الصوتية. وللحصول على أفضل نتيجة، ينصح الخبراء بزراعة مجموعات كثيفة من الأشجار بترتيب متقارب بالقرب من مصادر الضوضاء، مثل الطرق السريعة أو خطوط القطارات.
وبطبيعة الحال، لا تقتصر جهود الحد من التلوث السمعي على خبراء التخطيط العمراني، إذ يمكن للأفراد أيضاً المساهمة في تحويل أحيائهم إلى مساحات أكثر هدوءاً.
كيف يمكننا، كأفراد وجماعات، المساهمة في الحد من الضوضاء؟
من السهل البدء بخطوات بسيطة لتعزيز الغطاء النباتي حول المنازل والمدارس وأماكن العمل، عبر زراعة شجيرات ونباتات مديدة أو المشاركة في حملات التشجير المجتمعي. ويمكن لهيئات المدن وأنصار البيئة التعاون لإطلاق ورش عمل توعوية وفعاليات تطوعية لغرس الأشجار وبناء حدائق صغيرة في الأحياء، مما يمنح السكان المشاركين شعوراً بالفخر والمساهمة في تحسين محيطهم اليومي.
وبربط هذه الجهود مع التوجه العالمي نحو المدن المستدامة والخضراء، يصبح الاستثمار في التشجير والتحول نحو الحلول الطبيعية حجر زاوية في بناء مجتمع أكثر صحة وهدوءاً.
ختاماً، مع تزايد التحديات البيئية، تثبت الحلول القائمة على الطبيعة والأشجار قدرتها المتفوقة على تخفيف الضوضاء، بجانب تحسين جودة الهواء والحياة ودعم التنوع البيولوجي. إن زراعة الأشجار على نطاق واسع ومخطط له قد تجعل مدن المستقبل أكثر هدوءاً وجمالاً ودفئاً للبشر والكائنات معاً. في النهاية، كل شجرة نغرسها اليوم تكتب سطراً في قصة مدينة أكثر هدوءاً وصحة غداً.