وداعًا للأكسجين… حرارة المحيط تحرق رئة الأرض الخفية!

3 د
ارتفاع حرارة المحيطات يشكّل تهديدًا على ميكروب *بروكلوروكوكوس* المنتج لثلث أوكسجين الأرض.
هذا الميكروب البحري يساهم بشكل أساسي في التمثيل الضوئي وإمداد المحيطات بالأوكسجين.
تشير الدراسة إلى أن الميكروب لديه مجال حراري مثالي من 19 إلى 28 درجة مئوية.
استمرار ارتفاع درجات الحرارة قد يقلل إنتاجية الميكروب بنسبة تصل إلى 51%.
التغير المناخي يهدد استمرارية التوازن البيئي في المحيطات ومستقبل الغذاء البحري.
تخيّل أن كوكبنا يفقد مصدرًا يشكّل ما يقارب ثلث الأوكسجين الذي نتنفسه! هذا هو الخطر الذي حذّر منه علماء الأحياء البحرية، بعدما كشفت دراسة جديدة أن ميكروبًا بحريًا دقيقًا يُدعى *بروكلوروكوكوس* قد يكون أكثر هشاشة أمام ارتفاع حرارة المحيطات مما كان يُعتقد سابقًا.
يُعرف هذا الكائن بأنه الكائن الحي الضوئي الأكثر وفرة على وجه الأرض، إذ يسبح في مياه المحيطات المضيئة بالشمس ويمدّ الكوكب بكميات هائلة من الأوكسجين، إضافة إلى كونه حجر الأساس في شبكات الغذاء البحرية. لكن يبدو أن مستقبل هذا الجندي المجهول مهدد بالتغير المناخي.
وهذا ينقلنا إلى تفاصيل الاكتشاف العلمي وما قد يعنيه للمحيطات وسلسلة الغذاء البحري.
كائن صغير بدور عملاق
يتواجد *بروكلوروكوكوس* في أكثر من 75% من مياه سطح المحيطات المشمسة، خصوصًا في المناطق المدارية وشبه المدارية. ورغم صغر حجمه المجهري، إلا أنه يمثل دعامة أساسية لعملية التمثيل الضوئي، ليضخ الأوكسجين ويوفر الغذاء للكائنات الأكبر.
إلى وقت قريب، كان الاعتقاد السائد أن ارتفاع درجات حرارة المياه سيصبّ في مصلحته، باعتباره محبًا للدفء. غير أن الدراسة الجديدة قلبت هذه الصورة، حيث تبيّن أن للكائن مجالاً حراريًا مثاليًا يتراوح بين 19 و28 درجة مئوية، بينما تبدأ كفاءته في التراجع عندما تتجاوز درجات المياه 30 مئوية.
ومن هنا يصبح الارتباط وثيقًا بين الاحتباس الحراري المتسارع ومستقبل هذا الكائن المحوري.
مخاطر بيئية أوسع
يقول الباحث فرانسوا ريباليه، من جامعة واشنطن، إن بطء انقسام خلايا *بروكلوروكوكوس* في المياه الأشد حرارة يعني نقصًا في الكربون والغذاء المتاح لبقية السلسلة الغذائية البحرية. أي أن تراجع نشاط هذا الميكروب لا يقتصر على تقليل الأوكسجين فحسب، بل قد يهزّ استقرار شبكات الحياة البحرية برمتها.
الدراسة، التي اعتمدت على تحليل ميداني واسع امتد 13 عامًا وشمل نحو 800 مليار من هذه الخلايا، أوضحت أن الإنتاجية قد تنخفض بنسبة تصل إلى 51% في المناطق المدارية بحلول نهاية القرن، إذا استمر السيناريو الأسوأ لارتفاع الحرارة.
وهذا يعزز المخاوف من أن التغير المناخي ليس قضية تخص المناخ وحده، بل يمتد ليهدد استمرارية الكائنات التي تبقي محيطاتنا حيّة.
من يخلف بروكلوروكوكوس؟
الدراسة فتحت باب التساؤل حول إمكانية أن يحل ميكروب آخر يُدعى *ساينوكوكوس* محل *بروكلوروكوكوس*. وعلى الرغم من قدرته على تحمل مياه أكثر دفئًا، إلا أنه يحتاج إلى مغذيات أكثر، وهو ما يطرح إشكالية: هل ستستطيع شبكات الحياة البحرية التكيّف معه كما تكيفت طوال ملايين السنين مع *بروكلوروكوكوس*؟ الباحثون يرون أن الإجابة غير مؤكدة، ما يزيد من الغموض حيال مستقبل التوازن البيئي في المحيطات.
وهذا يعيد طرح السؤال المركزي حول تكلفة فقدان أحد أهم مصادر التنفس على الأرض.
الخلاصة
الدراسة المنشورة في دورية *نيتشر ميكروبيولوجي* تضعنا أمام حقيقة صادمة: الميكروب الذي يسهم في إنتاج نفس الهواء الذي نتنفسه مهدد بسبب تغيّر المناخ والاحترار البحري. وبينما قد يتوسع نطاق *بروكلوروكوكوس* نحو القطبين، فإن تراجعه في المناطق الأكثر سخونة سيترك ثغرة خطيرة في دورة الحياة البحرية.
باختصار، الحفاظ على هذا الكائن الصغير ليس ترفًا علميًا، بل ضرورة وجودية لضمان استمرار التوازن البيئي، ولربما استمرار أنفاسنا نحن البشر أيضًا.