ذكاء اصطناعي

وداعًا لليثيوم… أول بطارية صناعية لتخزين الطاقة بالملح والهواء

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تبني ألمانيا أول بطارية صناعية تعتمد على الملح والهواء لتخزين الطاقة النظيفة.

تستخدم البطارية كهوف الملح لتخزين الهواء المضغوط، مما يزيل الحاجة للمعادن النادرة.

توفر التقنية تكاليف منخفضة وأمانًا عاليًا دون مخاطر الحرائق المعتادة في بطاريات الليثيوم.

استعدادات شركة "Augwind Energy" لإطلاق المنشأة بحلول 2027-2028 بالتعاون مع شركاء محليين.

تعزز هذه المبادرة الانتقال للطاقة المستدامة وتعمل كنموذج لتحول الطاقة عالميًا.

هل تخيلت يوماً أن الملح والماء والهواء يمكن أن يحملوا سر تخزين الطاقة النظيفة دون الحاجة لمعادلات الليثيوم المعقدة ولا أحجيات المعادن النادرة؟ ألمانيا تكتب فصلاً جديداً في تاريخ الطاقة، وتستعد لاستضافة أول بطارية صناعية من نوعها في العالم تعتمد على الملح والهواء فقط. هذا المشروع الواعد قد يغير وجه شبكات الكهرباء في أوروبا، وقد يلهم الكثيرين حول العالم باعتماد حلول أقل تكلفة وأكثر أماناً وصدافة للبيئة.

في السنوات الأخيرة، أغرقت أخبار البطاريات السوق: من بطاريات السيارات الكهربائية إلى أجهزة البيت الذكي، ووسط سباق محموم حول البطاريات التي تعتمد على الليثيوم والنيكل والكوبالت. هنا بزغ نجم فكرة جديدة: بطارية "AirBattery" التي تعتمد تقنيات ضغط الهواء وتخزينه في كهوف الملح الضخمة تحت باطن الأرض. هكذا يتطلع الألمان إلى التخلي عن سباقات المعادن النادرة والابتعاد عن المخاطر النارية، بفضل ملح سائغ وهواء نقي وبعض الهندسة الذكية.


كيف تعمل بطارية الملح والهواء؟

الحكاية تبدأ في باطن الأرض، حيث تمتلك ألمانيا مئات الكهوف العميقة والمفرغة في طبقات الملح، والمشهورة بقدرتها على العزل الطبيعي ومقاومة التسرب. الفكرة بسيطة وعبقرية في نفس الوقت: حين يتوفر فائض من الطاقة المتجددة (من الرياح أو الشمس مثلاً)، تُستخدم لتشغيل ضواغط ضخمة تضغط الهواء وتخزنه داخل هذه الكهوف المالحة. عندما يحتاج المشغلون لإعادة الطاقة إلى الشبكة، يُطلق ذلك الهواء المضغوط ليُدير توربينات تُنتج الكهرباء بكفاءة عالية. هذه الدورة يمكن تكرارها لسنوات طويلة دون الحاجة لصيانة معقدة أو استبدال مواد خطرة.

وهنا يبرز الفرق بين هذه التقنية وسابقاتها، إذ لا حاجة للمواد النادرة أو المعالجات الكيميائية المعقدة. فكل ما يتطلبه الأمر: ملح، ماء، هواء، وحديد لتصنيع الضواغط والتوربينات. وبهذا يصبح التخزين أكثر أماناً وأطول عمراً، حيث لا خطر لنشوب الحرائق أو تسرب للمواد السامة كما في بطاريات الليثيوم التقليدية.


مزايا تقنية تضع الاستدامة في المقدمة

لكن ما الذي يجعل هذه البطارية ثورة حقيقية في عالم الطاقة؟ تكمن الإجابة في عدة جوانب مترابطة. بدايةً، هذه التقنية تخلُو تماماً من المواد النادرة المُكلفة والمعرضة للمخاطر الجيوسياسية. كما أن التكلفة التقديرية لإنشاء وتخزين الطاقة لفترات طويلة تقل كثيراً عن مثيلاتها التقليدية، إذ تتراوح ما بين 10 إلى 15 دولاراً للكيلوواطّ الساعي، مما يمنح ألمانيا ومن يتبعها قدرة حقيقية على الاعتماد على مصادر طاقة متجددة بشكل أوسع وأكثر اعتمادية.

ولا يتوقف الأمر عند التكلفة والموثوقية، بل يمتد ليشمل الأمان، إذ تفتقد بطارية الملح والهواء لعوامل الخطر المرتبطة بالتدهور الحراري، فلا تهديد بانفجارات أو حرائق كهربائية. هذا المستوى من السلامة يجعل نشر هذه المنشآت قريباً من المناطق السكنية أو حتى المدارس أمراً ممكناً دون قلق على سلامة السكان.

وهذا الارتباط بين الكفاءة، الأمان، وانخفاض التكلفة، يمنح المشروع ميزة استراتيجية كبرى أمام المشاريع المنافسة من البطاريات التقليدية أو حتى الأنظمة القائمة على التدفق أو الحديد.


طفرة البطاريات في ألمانيا... واستعداد للجيل القادم من تخزين الطاقة

هيا بنا نربط بين هذا التطور وخطط ألمانيا المستقبلية. فمع بداية عام 2025، تجاوز عدد أنظمة تخزين البطاريات في ألمانيا حاجز 1.8 مليون وحدة، بقدرة إجمالية تقارب 19 جيجاواط/ساعة، بينما بلغت الطلبات المؤجلة أكثر من 226 جيجاواط. هذا "تسونامي البطاريات" في حاجة ماسة إلى حلول تخزين طويلة الأمد وموثوقة، وهنا يأتي دور تقنية الملح والهواء لخلق بيئة تخزين طاقة متنوعة وأكثر مرونة وديمومة.

بالموازاة مع ذلك، تتكامل حلول الملح والهواء الجديدة مع ابتكارات أخرى مثل خزانات الطاقة الحرارية المعتمدة على الملح، وأنظمة التدفق، ومشاريع تجمع بين البطاريات الفائقة والملح. كل ذلك يكرّس فلسفة التقليل من الاعتماد على المواد النادرة والنزوع إلى خيارات صديقة للبيئة ولا تتحكم فيها صراعات الأسواق أو المناجم البعيدة.

وفي هذه الأثناء، تشتد استعدادات شركة "Augwind Energy" الإسرائيلية لإطلاق أول منشأة صناعية متكاملة لهذه التقنية الرائدة في ألمانيا، ما بين 2027 و2028. الشركة بدأت بالفعل شراكات مع ملاك الكهوف الملحية، وشركات الكهرباء، ووحدات الاستخدام الصناعي. كل ذلك ضمن جدول زمني طموح يستهدف التركيب خلال أقل من عام من الموافقات الحكومية، ثم بدء التشغيل خلال أشهر معدودة بعد ذلك.

ذو صلة

خاتمة: فصل جديد للطاقة النظيفة يبدأ من باطن الأرض

تلخص هذه المبادرة الألمانية روح الابتكار والاعتماد على حلول واقعية في مواجهة التحديات البيئية والتقنية. فهنا نجد الطاقة النظيفة تُخزن بأمان وطول أمد وكفاءة عالية، بعيداً عن تكاليف الليثيوم ومخاطره. ألمانيا ترسي نموذجاً يحتذى به في الانتقال للطاقة المستدامة وتعزيز السيادة الطاقوية. من يدري، ربما تجد مستقبلاً كل شبكة كهرباء حول العالم بطاريتها الخاصة... صنعها الملح والهواء، وباركتها الهندسة الذكية والوعي البيئي.

ذو صلة