ياهو اليابان تفرض استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي على الموظفين لمضاعفة الإنتاجية

3 د
ياهو اليابان تلزم 11 ألف موظف باستخدام أداة ذكاء اصطناعي يومياً لرفع الإنتاجية.
"سيك-إي" تُسَرِّع البحث بالبيانات وتُقدّم إجابات دقيقة للمستخدمين.
الهدف تقليل 700-800 ألف ساعة عمل سنوياً بفضل الأتمتة وتقليل المهام المكررة.
بعض الموظفين يُعبرون عن قلقهم من إلزامية استخدام الذكاء الاصطناعي.
التحدي الرئيسي بناء ثقة ثقافية ومهنية بالذكاء الاصطناعي في بيئة العمل.
في خطوة جريئة تعيد تشكيل مفهوم العمل المكتبي، قررت شركة ياهو اليابان إلزام جميع موظفيها البالغ عددهم 11 ألف شخص باستخدام أداة ذكاء اصطناعي جديدة يومياً. هذا التحول الاستثنائي جاء ضمن خطة واضحة تهدف ليس فقط لمواكبة التقدم التكنولوجي، بل أيضاً لمضاعفة إنتاجية الشركة بحلول عام 2028، رغم المخاوف والانتقادات التي أبدتها بعض الأصوات داخل الشركة وخارجها. فما الذي يدور خلف الكواليس في عملاق الإنترنت الياباني؟
كيف تعمل الأداة الجديدة؟
الموضوع هنا لا يقتصر على مجرد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المهام الروتينية، بل يتعلّق بنقلة في ثقافة العمل نفسها. "سيك-إي" (SeekAI) هي أداة داخلية تم تطويرها بواسطة الشركة، وتعتمد على تقنية متقدمة تُسمى "استرجاع المعلومات المدعوم بالذكاء الاصطناعي" أو Retrieval Augmented Generation (RAG). وظيفة هذه الأداة ليست فقط تسريع البحث في البيانات الضخمة، كوثائق الشركة ورسائل البريد الإلكتروني وسجلات التواصل مع العُملاء والشركاء، بل تتيح للموظف الحصول على إجابات دقيقة ومُختصرة حول السياسات والبرمجيات المتبعة دون الحاجة لإضاعة الوقت في تقليب الملفات أو مراسلة الزملاء.
وهذا يفتح الباب أمام نقاش واسع حول مدى قدرة مثل هذه الأدوات على إعادة تشكيل بيئة العمل وتسريع وتيرة اتخاذ القرار في الشركات الحديثة، إذ أن التقنية لم تعد مجرد عامل مساعد بل أصبحت اليوم محركاً أساسياً للإنتاجية.
تسريع الأداء وتقليل المهام المتكررة
بحسب تصريحات ياهو اليابان، فقد حقّقت أداة SeekAI دقة وصلت إلى 98% في خدمة العملاء خلال فترة التجربة في قطاع الإعلانات. والأهم من ذلك: تتيح الأداة لكل قسم أو فريق عمل إضافة قواعد بياناته الخاصة كي تكون الأجوبة أكثر ملاءمة لاحتياجات كل فريق. تتوقع الشركة أن تقلل عدد ساعات العمل السنوية بما بين 700 إلى 800 ألف ساعة عبر أتمتة عمليات البحث، صياغة الوثائق، تسجيل ملاحظات الاجتماعات، معالجة التقارير المالية، والتحليلات التنافسية. الهدف النهائي هنا هو تقليص الوقت المهدر في أعمال يمكن للذكاء الاصطناعي معالجتها بسرعة، ومنح الموظفين فرصة التفرغ للتفكير الإبداعي واتخاذ قرارات استراتيجية.
واعتماد هذه الإمكانيات التقنية يعود لكون اليابان نفسها، في ظل تحديات مثل نقص القوى العاملة وشيخوخة المجتمع، ترى في الأتمتة والذكاء الاصطناعي فرصة لتخطي الفجوات وضمان استدامة الأعمال. وهذا يربط بين خطة ياهو وطموحات اليابان التقنية الأشمل لمواكبة التغيرات الديمغرافية وتطوير مهارات العاملين بدلاً من استبدالهم.
العوائق وردود الفعل داخل الشركة
لكن الطريق ليس مفروشاً بالورود دائماً. بعض العاملين أبدوا قلقهم من جعل استخدام الذكاء الاصطناعي إجبارياً. هناك من يخشى الأخطاء التقنية التي قد تقع، ويتساءل: من سيتحمل المسؤولية إذا وقع الذكاء الاصطناعي في سوء تفسير معلومة أو خلل في المستندات المهمة؟ من جهة أخرى، عبّر البعض عبر منصات التواصل كـ Reddit عن أن هذه الخطوة قد تُستخدم ذريعة للضغط على الموظفين أو حتى تقليل أعدادهم مستقبلاً إذا وقعت المشاكل. كما أننا لا نستطيع تجاهل المخاوف من كون أداة الذكاء الاصطناعي قد تضر أحيانا بالإنتاجية في ظل ضعف تكاملها أو قلة جودة نتائجها، خاصةً وأن هناك من يقارن حلول ياهو بما لدى منافسين عالميين مثل غوغل ومايكروسوفت من أدوات.
وهذه المخاوف، رغم كونها طبيعية عند تطبيق أي نظام جديد بهذا الحجم، تمثل تحدّياً حقيقياً لإستراتيجية ياهو. فالنجاح هنا لا يقتصر على تطوير أداة أو تدريب الموظفين، بل يمتد إلى بناء ثقة ثقافية ومهنية بالذكاء الاصطناعي وتطوير حلقة مستمرة من التحسين والتدقيق، بحيث تشعر الفرق العاملة أن التقنية تزيد من قدراتهم بدلاً من تهديد وظائفهم.
تظهر تجربة ياهو اليابان أن التحول الرقمي ليس قراراً تقنياً فحسب، بل خيار استراتيجي يتطلب موازنة دقيقة بين دفع الابتكار والحفاظ على الإنسان في قلب العمل. ربما كان يجدر بالشركة استخدام كلمة "تمكين" بدلاً من "إلزام" عند الحديث عن هذه الأدوات الجديدة، وتقديم فرص للمناقشة والتدريب والتقييم المستمر. وبين الطموح إلى مضاعفة الإنتاجية وواقع المخاوف اليومية للموظفين، تظل قصة ياهو تذكرة بأن الذكاء الاصطناعي هو أداة بيد الإنسان، يحدد أثرها الحقيقي طبيعة استخدامها وعمق فهمنا لدورها.