ذكاء اصطناعي

آلاف البيوض العملاقة الحية في بركان تحت الماء: اكتشاف يغيّر فهمنا لأسرار أعماق البحار

محمد كمال
محمد كمال

4 د

اكتشاف آلاف البيوض الحية في بركان تحت الماء يغير فهمنا للحياة البحرية.

بركان فانكوفر النشط يخلق بيئة حيوية غنية وتنوعًا بيولوجيًا غير متوقع.

الحرارة البركانية تُسرّع نمو بيوض "سمك الراي الأبيض الباسيفيكي".

يُحتمَل أن تحوي البحار الباردة بيئات حيوية غنية بفضل تدفق الحرارة والمعادن.

الكشف يعزز اهتمام العلماء بالبحث في بيئات البحار العميقة غير المستغلة.

تخيل أن تجد نفسك وجهاً لوجه أمام أحد أغرب مشاهد أعماق البحار: آلاف البيوض الضخمة، نابضة بالحياة، ترقد فوق قمة بركان تحت الماء لا يزال نشطاً قبالة سواحل جزيرة فانكوفر الكندية. هذا ما حدث بالفعل لفريق من علماء الأحياء البحرية الكنديين، ليقلبوا مفاهيمنا القديمة عن الحياة في الأعماق الباردة الجامدة رأساً على عقب. اليوم، القصة باتت حديث العلماء ورواد الأبحاث البحرية، فما تفاصيل هذا الكشف المثير؟

كشف بحري يغيّر الصورة النمطية للأعماق
اعتقاد كثيرين كان أن بركان فانكوفر تحت الماء خامل، يسبح في محيط بارد يعجز عن احتضان أي شكل من أشكال الحياة سوى بعض البكتيريا الدقيقة. إلا أن رحلة استكشافية في عام 2019 بقيادة العالمة الرئيسية شيريس دو بريز غيرت كل شيء. إذ اكتشف الفريق أن البركان لا يزال نشطاً، بل ويخلق نظاماً بيئياً جيوحرارياً حافلاً بالمفاجآت، يزدهر فيه التنوع البيولوجي وتنشط سلسلة غذائية خاصة تعتمد على الحرارة البركانية بدل طاقة الشمس كالعادة في البحار السطحية. هذا الاكتشاف أربك المفاهيم القديمة حول قدرة البيئات القاسية على دعم الحياة وأعاد تسليط الضوء على الدور الحيوي للبيئة الحرارية في قاع المحيط.

وفي هذا السياق، كان للحرارة والمعادن المنبعثة من قلب البركان الدور الأكبر في جذب الكائنات إلى منطقة كانت توصف سابقاً بـ"المقفرة". وربط هذا التفكير الجديد بين درجة الحرارة الجيوحرارية وقدرتها على تحويل المستحيل إلى واقع حي.

بيوض "حوريات البحر": أكبر حضانة طبيعية في أعماق المحيط
استكمالاً لهذا التحول، فوجئ العلماء هناك بكتل هائلة من البيوض الغريبة الشكل واللون، يناهز طول الواحدة منها نصف متر تقريباً (1.5 قدم)، أشبه بحقائب جلدية ضخمة. وبعد الفحص، تبيّن أنها تعود إلى نوع نادر يُسمى "سمك الراي الأبيض الباسيفيكي" أو Bathyraja spinosissima، والذي يُعرف عالمياً بصعوبة رصده وقلة دراسته. وتشتهر هذه البيوض بين الغواصين باسم "حقائب حوريات البحر" نظراً لهيئتها المميزة.

اللافت هنا أن هذه البيوض لم تكن بقايا متحجرة من عصور غابرة، بل كانت حية، تحتوي أجنة في مراحل نمو مختلفة. أشارت قياسات الفحوص إلى أن الحرارة المنبعثة من البركان تُسرّع عملية النمو داخل البيض، حيث تحتاج عادةً بيوض الراي في الأعماق الباردة إلى نحو أربع سنوات حتى تفقس، لكن البيئة الحارة هنا تمنحها حضانة طبيعية مثالية وتُحسّن فرص البقاء.

تقنيات الحرارة الجيوحرارية: سر التكاثر والبقاء في بيئة قاسية
هذا الربط بين البيوض العملاقة والبركان النشط دفع العلماء لمقارنة الموقع مع بيئات مماثلة شوهدت في جزر غالاباغوس، حيث لوحظ سابقاً أن بعض الكائنات البحرية تضع بيوضها بالقرب من منافذ الحرارة المائية أو "الفتحات الحرارية". وفي كلتا الحالتين، تتضح أهمية الفرص التطورية التي تمنحها المياه المعدنية الدافئة للكائنات المهددة بالانقراض في الأعماق.

هنا تتجلى حقيقة أن الحدود البحرية التي كنا نظنها فقيرة وخالية يمكن أن تحتضن حياة غنية ودائرة بيئية متكاملة، وذلك بفضل عامل واحد فقط: تدفق الحرارة والمعادن من باطن الأرض إلى محيط بارد. هذا يجلبنا لفهم أعمق حول كيفية تأقلم الكائنات مثل الراي الأبيض مع البيئات الحرارية، وكيف تلعب عوامل الطبيعة أدواراً متشابكة في ضمان استمرارية الأنواع رغم قسوة الظروف المحيطة.

انكشاف أسرار جديدة لمستقبل علم المحيطات
وبينما يحمل هذا الكشف وعوداً مستقبلية للبحث العلمي حول التنوع البيولوجي في البيئات الحرارية العميقة، يسلط الضوء أيضاً على أهمية حماية مثل هذه البيئات الفريدة من التدخل البشري والتغيرات المناخية. الجيولوجيون وعلماء البيئة الآن متحمسون لمزيد من الاستكشاف، لإمكانية العثور على أنواع أخرى تستخدم حرارة البراكين الطبيعية لإتمام دورة حياتها. ويشير ذلك إلى أن ما اعتبرناه يوماً أماكن عديمة الحظ بالحياة، قد يكون مأوى لحضانات مدهشة من البيوض واليرقات.

ذو صلة

وهذا يدفعنا لإعادة التفكير في كلماتنا عندما نصف بقعة بحرية "بالمهجورة" أو "الميتة"، وتفضيل مصطلحات أكثر دقة مثل "بيئة خفية الحيوية" أو "مخزون محتمل للثروات البيولوجية". لو تمكنا من تعزيز هذه المقاربة بالتركيز على المترادفات الأقوى للعزلة البيئية أو التنوع الكامن، سنضفي مزيداً من الدقة والجاذبية على وصفنا لمثل هذه الاكتشافات.

في النهاية، تتضح لنا الصورة بأن المحيطات لا تزال تخفي أسراراً تنتظر من يكشف النقاب عنها، وأن حزمة البيوض العملاقة هذه ليست سوى إشارة إلى عوالم أكثر دهشة في الأعماق، ترسم مجدداً حدود معرفتنا وتدعونا لمراقبة كل جديد بابتسامة متفائلة وشغف متقد بالبحث.

ذو صلة