ذكاء اصطناعي

أحد أكبر بحار العالم يذوب ببطء… والعلماء عاجزون عن إنقاذه

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يتراجع بحر قزوين بمعدل 30 سنتيمتراً سنوياً، مهدداً حياة نادرة وموانئ ضخمة.

يعزو التراجع إلى تبخر زائد رغم ضخ 80% من مياهه من نهر الفولغا.

تواجه موانئ مثل أكتاو وباكو تحديات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة بسبب انحسار المياه.

تشكل التغييرات في بحر قزوين إنذارًا لبقية الأحواض المائية المغلقة العالمية.

في مشهد مثير للقلق، يتراجع أكبر بحر مغلق في العالم بوتيرة غير مسبوقة، محوّلاً أجزاء واسعة من قاعه إلى صحارى مكشوفة ويهدد حياة نادرة، وموانئ ضخمة، وحتى طرق التجارة العالمية.

يشهد **بحر قزوين**، وهو أكبر مسطح مائي داخلي على وجه الأرض، تراجعاً حاداً في مستواه المائي، حيث سجّل مؤخراً أدنى مستوى له منذ بدء القياسات الحديثة، إذ انخفض إلى ما دون **ناقص 29 متراً**، وفق بيانات معهد الأبحاث الروسي المتخصص بالمصايد في المنطقة.

وهذا التطور المفاجئ يضع المنطقة والعالم أمام أزمة بيئية وأمنية متشابكة.


أزمة مناخية تكشف نقاط الضعف


بحوث علمية نُشرت في دورية *اتصالات الأرض والبيئة* تشير إلى أن البحر قد يخسر بين 8 و18 متراً إضافياً من منسوبه بحلول نهاية القرن، وذلك حسب سيناريوهات الانبعاثات العالمية. حتى السيناريو الوسطي يحمل كارثة بيئية، إذ يعني انحساراً كافياً لتصحر مساحات شاسعة من حوضه الشمالي.

ومن هنا يمكن فهم الرابط العميق بين التغير المناخي المتسارع ومستقبل هذا البحر المغلق.


التبخّر يتفوق على الأنهار


لا يشترك بحر قزوين بمأساة نظيره **بحيرة آرال** التي جفّت بفعل تجفيف بشري مباشر، بل تكمن مشكلته الرئيسية في **ارتفاع درجات الحرارة** وما تسببه من **تبخر زائد**. ومع أن نهر **الفولغا** ما زال يضخ 80% من مياهه العذبة إلى الحوض، إلا أن ميزان المياه انقلب لصالح الفقد لا المكسب.

وهذا يربط بين المعطيات العلمية وواقع انكشاف مساحات كانت حاضنة لملايين الطيور المهاجرة، وموئلاً لأسماك الحفش، إضافة إلى فقمة قزوين التي فقدت نحو 80% من موائلها.


انعكاسات اقتصادية وجيوسياسية


لا تقتصر التداعيات على البيئة وحدها، إذ إن موانئ مثل **أكتاو** في كازاخستان و**باكو** في أذربيجان باتت بعيدة عن المياه، وتعمل شركات النفط والغاز على حفر ممرات أطول للوصول إلى منصات الإنتاج. الأخطر أن ممر **الفولغا-دون**، وهو الشريان المائي الرابط بين قزوين والبحر الأسود، يواجه خطر الإغلاق الجزئي، ما يهدد ما يُعرف بـ “الممر الأوسط” الذي يربط **الصين بأوروبا** بعيداً عن الأراضي الروسية.

وهنا يصبح الحديث عن تراجع البحر أكثر من شأن بيئي، فهو ملف استراتيجي يعيد رسم خرائط التجارة والطاقة.


إنذار لبقية بحيرات العالم


ما يحدث في قزوين يبدو جرس إنذار لبقية الأحواض المائية المغلقة مثل **بحيرة تشاد** و**البحيرة المالحة الكبرى** في أميركا و**تيتيكاكا** في أميركا اللاتينية. فهذه النظم المائية القارية حساسة جداً لأي اضطراب مناخي، والبحر القزويني قد يكون "العصفور في منجم الفحم" في معادلة المناخ العالمي.

وهذا يربط مصير قزوين بمستقبل الأنظمة البيئية الكبرى التي تواجه الاحترار العالمي.


خاتمة

ذو صلة


تراجع بحر قزوين اليوم ليس مجرد قصة محلية تخص آسيا الوسطى، بل اختبار عالمي لقدرتنا على التكيف مع التغير المناخي. فكل سنتيمتر يخسره هذا البحر يذكّرنا بأن أزمة المناخ لم تعد بعيدة أو نظرية، بل هي واقع يمحو بحاراً ويهدد استقرار مجتمعات بأكملها. الحلول تحتاج إلى إرادة سياسية مشتركة وسرعة في التنفيذ قبل أن يتحول البحر إلى صحراء كاملة.

ذو صلة