أربعة أعوام من التجارب… والمغناطيس يثبت أنه قادر على إنقاذ البعثات الفضائية

3 د
نجح فريق من الباحثين في تطوير طريقة جديدة لإنتاج الأكسجين في الفضاء باستخدام المغناطيس.
يعتمد الابتكار على جمع فقاعات الغاز عبر الحقول المغناطيسية دون الحاجة لتقنيات معقدة.
أثبتت التجارب زيادة فعالية فصل الفقاعات بنسبة 240%، مما يحسن إمدادات الأكسجين.
سيتم تبني التقنية من قبل وكالات الفضاء لتطبيقها في بعثات القمر والمريخ المستقبلية.
في مهمة استكشاف الفضاء العميقة، تأتي أبسط الضرورات مثل الأكسجين لتغدو تحدياً تقنياً بالغ الصعوبة. اليوم، قلب فريق من الباحثين المعادلة رأساً على عقب بعدما كشفوا عن طريقة جديدة وأكثر كفاءة لإنتاج الأكسجين لرواد الفضاء، مستفيدين من قوى كانت حتى وقت قريب غير مستغلة بالكامل: المغناطيسية.
في محطات الفضاء التقليدية مثل محطة الفضاء الدولية، تعتمد أنظمة دعم الحياة على أجهزة ضخمة تُسمى الطرد المركزي لفصل فقاعات الأكسجين والهيدروجين التي تتكون عند تحليل الماء كهربائياً. في بيئة الأرض، تصعد هذه الفقاعات بشكل طبيعي بفعل الجاذبية، لكن في بيئة الجاذبية الصغرى، يصبح لزاماً تدوير السوائل بقوة الطرد المركزي لفصل الفقاعات، ما يزيد من تعقيد ووزن الأجهزة المطلوبة. المشكلة هنا ليست فقط في المعدات الضخمة التي تُستهلك الكثير من الطاقة، بل أيضاً في صعوبة استدامة هذا النظام عند التخطيط لإرسال بعثات طويلة الأمد إلى سطح القمر أو الكوكب الأحمر.
وهذا ما قاد العلماء – بزعامة ألفارو روميرو-كالفو من معهد جورجيا للتكنولوجيا، وبالتعاون مع جامعتَي بريمن الألمانية ووارويك البريطانية – إلى ابتكار حل مبتكر يعتمد على قوى المغناطيس بدلاً من الميكانيكا التقليدية.
المغناطيس يحل لغز فقاعات الأكسجين في الفضاء
شرح الباحثون بأن للقوى المغناطيسية نوعان أساسيان أثبتا فعاليتهما في أبحاثهم: الديامغناطيسية والمغناطيسية المائية الكهربائية (المعروفة بالمغناطوهيدوديناميكا). ببساطة، تمكن الفريق من استخدام الحقول المغناطيسية الموجهة لجمع فقاعات الغاز المتولدة أثناء التحليل الكهربائي للماء ونقلها إلى أماكن محددة، من دون الحاجة لأي تدوير أو آليات معقدة وثقيلة. وتم إثبات هذه الفكرة عملياً باستخدام برج الإسقاط الشهير في بريمن، ليحققوا قفزة في فعالية انفصال الفقاعات بلغت نسبتها 240%، ما يعني عملياً زيادة كبيرة في إنتاجية الخلايا الكهربائية وإمدادات الأكسجين.
نتيجة لهذا التطور أصبح بالإمكان تصور أنظمة دعم حياة أقل وزناً وأقل استهلاكاً للطاقة، وأكثر قوة لصالح بعثات الفضاء المتوجهة إلى القمر والمريخ، حيث كل غرام إضافي وكل وات كهربائي محسوب بدقة.
وفي سياق هذه الاكتشافات، وافقت وكالتي الفضاء الأوروبية وناسا – عبر برنامج أفكار نياسي المبتكرة – على رعاية تطور التقنية الجديدة وإجراء المزيد من التجارب، سواء في برج السقوط أو حتى في رحلات صواريخ شبه مدارية. تُعد هذه التجارب الخطوة التالية لدراسة مدى إمكانية توسيع نطاق تطبيق المغناطيسية لفصل الأكسجين بشكل عملي وفعال على مدى زمني طويل.
هذه الإنجازات لم تظهر فجأة، بل تُمثل ثمرة سنوات من البحث بدأها روميرو-كالفو في أطروحته للدكتوراه، مروراً باختبارات دقيقة تحت ظروف الجاذبية الصغرى، وصولاً إلى المرحلة التي يتطلع فيها الفريق العلمي لتحويل الابتكار إلى جزء أصيل من منصات دعم الحياة المستقبلية.
الاعتماد على تكنولوجيا المغناطيسيات بهذا الأسلوب سيجعل المستقبل أقرب من أي وقت لمهمات مأهولة طويلة الأمد إلى المريخ، أو حتى الاستيطان الدائم على سطح القمر. ولا تقف أهمية الإنجاز عند مقارنته بالطرق التقليدية فقط، بل يمتد ليشكل نقلة نوعية في فهم البشر لكيفية استغلال القوى الطبيعية المعروفة لدينا – كالمغناطيسية – في بيئات غير مألوفة مثل الفراغ والجاذبية الصغرى.
تلخص هذه التطورات نهجاً جديداً أكثر استدامة وأكثر بساطة في التعامل مع تحديات دعم الحياة الفضائية. مع استمرار الاختبارات والدعم المؤسسي لتطوير الحلول، سنجد أنفسنا أقرب إلى تحقيق حلم العيش والعمل في أعماق الفضاء، مدعومين بقوة يعرفها الجميع من ألعاب طفولتنا: المغناطيس.









