ذكاء اصطناعي

أرز ينمو في الفضاء: ثورة زراعية تستعد لتحويل الأمن الغذائي على الأرض والنجوم

محمد كمال
محمد كمال

4 د

طورت إيطاليا نبتة أرز صغيرة للنمو في الفضاء وتتحمل ظروف الأرض القاسية.

تعاونت وكالة الفضاء الإيطالية وجامعات لتطوير أرز يعتبر "ثورة زراعية فضائية".

استخدمت تقنيات التحرير الجيني لإنتاج أرز قزم غني بالبروتين لتحدي قيود الزراعة.

يمكن أن يعزز هذا الابتكار الأمن الغذائي في المناطق الصحراوية والمدن المكتظة.

المشروع نال إشادات واسعة والتطورات تشير لاستخدام تجاري قريب.

هل تخيلت يوماً أن نبتة أرز لا يتجاوز طولها عشرة سنتيمترات فقط، قد تنمو في الفضاء وتتحمل أقسى الظروف على كوكبنا، لتصبح علامة فارقة في تاريخ الغذاء البشري؟ هذه ليست قصة من الخيال العلمي، بل مقرونة بجهود علمية إيطالية جادة تسعى إلى تحويل الأمن الغذائي من حلم إلى حقيقة، سواء بين النجوم أو في قلب الأماكن النائية الصحراوية على الأرض.

في سباق محموم نحو استكشاف الفضاء والبقاء على سطح القمر أو حتى المريخ، برزت حاجة ملحّة لتوفير مصدر غذائي متكامل وصحي لروّاد الفضاء يحوي البروتينات والألياف والفيتامينات ومضادات الأكسدة، بدلاً من الاكتفاء بأطعمة مجففة تفتقد طعم الطزاجة وقيمتها الغذائية بمرور الوقت. لهذا، شرعت وكالة الفضاء الإيطالية، بالتعاون مع ثلاث جامعات رائدة، في تطوير نبتة أرز مصغرة، تستمد قوتها من التقنية الحيوية المتقدمة لتلبي ما يصفه العلماء بـ "الثورة الزراعية الفضائية".


التحدي الحقيقي: زراعة في ظروف مستحيلة

والحديث هنا عن تحدٍ فريد من نوعه؛ إذ أن كل سنتيمتر مكعب داخل المركبة الفضائية أو القبة القمرية محسوب بعناية. فأنواع النباتات القصيرة التقليدية، مثل "الأرز القزم"، ما زالت تتطلب مساحة أكبر من المتاح في البيئات المغلقة الضيقة. لذا، اتجهت الباحثون لتوظيف تقنيات التحرير الجيني مثل كريسبر-كاس لصناعة نبتة أرز شبه قزمة ومكثفة البروتين، من دون المساس بقدرتها على النمو أو جودة بذورها الغذائية. هذه القفزة العلمية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطورات في مجال الهندسة الوراثية والتعديل الحيوي على نسب النشويات وهرمونات مثل الجبرلين، المسؤولة عن تنظيم طول الساق وتوجيه النمو.

تكمن أهمية هذا الإنجاز في أنه يعكس تزايد دور علم الوراثة والتقنيات الحيوية في تذليل العقبات البيئية، سواء كانت في الفضاء ذو الجاذبية الصغرى أو المناطق الأرضية التي يصعب فيها الزراعة، كالمناطق الصحراوية أو المدن المكتظة.


سر النبتة المقاومة: كيف نجحت التجربة؟

ومن هنا يمكننا الانتقال للحديث عن التركيبة الوراثية، حيث تركزت أبحاث الفرق الإيطالية في ميلانو على استنبات أنواع فريدة من الأرز، فيما تولى علماء جامعة روما دراسة الجينات المتحكمة ببنية النبتة وقدرتها على امتصاص الضوء وتحويله لطاقة. أما جامعة نابولي، فشاركت بتجارب مبتكرة لمحاكاة ظروف انعدام الجاذبية عبر تدوير الشتلات، ما يسمح بمعرفة الاستجابات الفسيولوجية للنبتة عن قرب. باختصار، كل مؤسسة حملت على عاتقها جانباً محورياً من اللغز العلمي لتطوير هذا الأرز الخارق الصغير.

هذا التداخل بين الخبرات البحثية والتركيز على تعزيز نسبة البروتين في الحبة وتكيفها مع حالة عدم تحديد "الأعلى" و"الأسفل" في الفضاء، يعيد رسم معايير الزراعة التقليدية، ويعكس مدى تعقيد وجرأة الأفكار التي تجرّب اليوم لتحقيق اكتفاء ذاتي جديد للإنسانية.


انعكاسات أرضية: أمل لمناطق العطش والمناخ القاسي

وبالعودة من أجواء الفضاء إلى سطح الأرض، نجد أن للتجربة انعكاساً بالغ الأثر على أمن الغذاء في الأراضي القاحلة، والجبال المرتفعة، وحتى فوق أسطح العمارات. فزراعة حبة أرز مصغرة عالية القيمة داخل قبة بلاستيكية صغيرة يمكن أن يفتح الباب أمام التغذية المستدامة في مواقع تعاني من ندرة الموارد أو الزحام الشديد. كذلك، توفر هذه الفكرة وسيلة عملية للتقليل من الاعتماد على البروتين الحيواني وتحقيق أنظمة غذائية أكثر مرونة وكفاءة.

بينما أتذكر أنني جربت ذات مرة الزراعة في أصيص صغير على شرفة منزل ضيق، فلا يسعني سوى التقدير لإمكانية أن يكون الحل بمتناول اليد في مساحة لا تتعدى حجم كف الإنسان، ويخدم احتياجات سكان الأرض والفضاء على حد سواء.

ولتعزيز الصورة الكاملة، يجدر الذكر أن هذا المشروع الرائد حظي بإشادات واسعة في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلوم الأحياء التجريبية منتصف عام 2025، وتم رفع طلبات براءات اختراع للمراحل الأولى من الإنجاز، مع تباشير استخدام تجاري وشيك في غضون السنوات المقبلة.

ذو صلة

في الختام، لا يبدو أن الطريق إلى غذاء مستدام يدعم مهمات الفضاء وحياة البشر على كوكب الأرض ما زال بعيد المنال. وربما يكون من الأدق لو استُبدِلت بعض المصطلحات الشائعة كـ"نبتة قزمة" بتعبيرات تدل على الكفاءة والابتكار، أو تم التشديد على البعد البيئي في الانعكاسات المستقبلية. مع ذلك، فإن قدرة العلم على تطويع النبات للعيش في الفضاء كما في الأرض القاسية تترك لنا مساحة كبيرة للتأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق.

هل تعتقد أن لهذه المبادرة مكاناً واسعاً في حياتنا خلال السنوات القادمة؟ شاركنا وجهة نظرك وأضف رأيك لتكتمل صورة الحوار حول مستقبل الغذاء والفضاء والاقتصاد الأخضر.

ذو صلة