ذكاء اصطناعي

أقدم سحلية عرفها العلم… أحفورة عمرها 242 مليون عام تغيّر فهمنا لتاريخ السحالي

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف فريق بحثي جمجمة متحجرة في ديفون، بتغيير فهم تطور الزواحف.

"أجريودونتوسورس هيلسبيبتراي" تحمل خصائص تشريحية غير متوقعة، مختلفة عن السحالي الحالية.

استخدام تقنية السنكروترون سمح بفهم تفصيلي للجمجمة دون إتلاف العينة.

التكنولوجيات الحديثة تُمكّن من كشف أسرار تطور الزواحف عبر التاريخ.

الأحفورة تكشف عن تنوع ومرونة تطورية غير محسوبة للسحالي والأسلاف اللبيدوصورية.

تخيل أن تمشي على شاطئ في ديفون، بجنوب غرب إنجلترا، لتعثر صدفة على أحفورة صغيرة غيّرت نظرة العلماء لتاريخ الزواحف على وجه الأرض. هذا بالضبط ما حدث لفريق بحثي اكتشف جمجمة متحجرة تعود إلى زاحف عاش منذ 242 مليون سنة، وجعلتهم يعيدون التفكير في رواية تطور السحالي والثعابين وحتى مخلوق التواتارا الغامض في نيوزيلندا.

لنتعمق في هذه القصة العلمية المشوقة التي كشفت تفاصيل غير متوقعة عن أقدم جذور السحالي وكيف وصلت هذه الكائنات لتكون أكثر الفقاريات البرية نجاحاً وانتشاراً في العالم اليوم. فبينما كان يُعتقد أن جميع الزواحف تحت تصنيف اللبيدوصورية (Lepidosauria) - والتي تضم أكثر من 12,000 نوع من السحالي والثعابين والتواتارا - تطورت تدريجياً بنفس النمط التشريحي، جاء هذا الاكتشاف ليقلب المعادلة.

وهناك الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تجعل هذا الاكتشاف استثنائياً بحق، وتستدعي أن نوضح بعض المصطلحات العلمية المتعلقة بتشريح الجمجمة لدى الزواحف القديمة.


تفاصيل مذهلة في تشريح الجمجمة... وليست كما توقع العلماء

عادة ما تشترك السحالي والثعابين الحديثة في خصائص تشريحية أساسية: فك مفصلي جزئياً يعطيهم فمًا واسعاً لابتلاع فرائس كبيرة، أسنان في سقف الحلق تساعدهم على الإمساك بفرائس صغيرة، وتفتقد غالبيتها للعظمة الخدية السفلية (العارضة الصدغية السفلى) التي تعطي التواتارا شكلها العتيق المميز.

لكن عندما قام الباحثون بفحص جمجمة الأحفورة باستخدام تقنية أشعة متقدمة تُسمى “السنكروترون”، فوجئوا أن الزاحف المكتشف حديثًا، والذي أطلق عليه اسم "أجريودونتوسورس هيلسبيبتراي" (Agriodontosaurus helsbypetrae)، لا يمتلك سوى واحدة من هذه السمات الثلاث.

فهو يفتقد للأسنان في سقف الفم بشكل كامل، ولا أثر للفك المفصلي الذي يسمح باتساع الفم، لكنه احتفظ بالعارضة الخدية السفلية مفتوحة، تمامًا كما في التواتارا. لإضافة المزيد من الدهشة، وجدوا أن لهذا الكائن الضئيل الحجم أسناناً ضخمة نسبياً مقارنة بباقي الزواحف البدائية، ما يشير إلى أسلوب تغذية متخصص ربما كان يعتمد على الحشرات، على غرار التواتارا المعاصر.

هذه النتائج تعكس عدم صحة الاعتقاد السائد بأن خصائص السحالي الحالية مستمدة نباتياً من أجدادها الأوائل، وتفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول تطورهم المرن.

ومن هنا ينتقل الحديث إلى أهمية التقنيات الحديثة في علم الحفريات، وكيف مكنت العلماء من الوصول إلى هذه الاكتشافات النوعية دون الإضرار بالعينات النادرة.


التكنولوجيا تدعم الاكتشافات: كيف غيّرت الأشعة المتقدمة فهمنا للأحفورة؟

الحفرية صغيرة بشكل يثير الدهشة؛ فجمجمتها لا يتجاوز طولها سنتيمترين وتناسب راحة اليد. ولولا استخدام الأشعة المقطعية بالسِنكروترون، لما تمكن الباحثون من معاينة أدق تفاصيلها الداخلية من دون تعريضها للتلف. هذه التقنية سمحت بإعادة بناء ثلاثية الأبعاد لتركيبة الجمجمة، ما أدى للكشف عن اختلافات جوهرية بين الزواحف الحديثة وأسلافها المنقرضة، والتي لم تكن واضحة عبر الأشعة السينية التقليدية.

ويظهر هذا مدى أهمية مواكبة التطور العلمي في تجهيزات البحث، خاصة عند التعامل مع حفريات فائقة الندرة والهشاشة، ويساعد في تبديد ألغاز التطور الحيوي الممتد لملايين السنين.

ومع تنامي قاعدة المعلومات، يزداد إدراك العلماء لتعقيدات مراحل تطور الزواحف البرية، ويتضح أن “التواتارا”، على سبيل المثال، ليس مجرد "أحفورة حية" فحسب، بل ينتمي إلى شجرة نسب ثرية وضاربة الجذور في تاريخ الزواحف القديمة.

الربط بين بيانات التشريح وتكنولوجيا البحث الحديث يفسّر كيف فتحت هذه الحفرية أفقًا جديدًا لفهم التنوع الهائل في عالم السحالي.


إعادة صياغة فهمنا لمسار الزواحف عبر الزمن

ذو صلة

في نهاية المطاف، يكاد يكون من المؤكد أنّ تفوق السحالي والثعابين على اليابسة لم يحدث بفضل مجموعة صفات ثابتة، بل نتيجة قابلية عالية للتكيف وتنوع في طرق التغذية، ما منح اللبيدوصورات قوة البقاء والانتشار. الأحفورة الجديدة لم تكتف بكشف مفاجآت تشريحية، بل وسّعت أيضًا دائرة التساؤل عن خطوات تطور أهم فروع الزواحف، وتؤكد أن الاكتشافات الكبرى تبدأ أحياناً بعظمة صغيرة مدفونة على شاطئ بحر.

هكذا يستمر العلم في البحث عن حلقاته المفقودة، ليخبرنا دومًا أن أسرار التاريخ الطبيعي أكثر إثارة مما نتصور، وأن كل اكتشاف جديد يُعيد تشكيل وصياغة قصة الحياة على الأرض.

ذو صلة