ذكاء اصطناعي

هل كان الإنسان القديم يرى ما لا نراه؟ الأمازون تكشف كائنات نصف بشرية ونصف شيء آخر!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

ظهرت لوحات صخرية في الأمازون تحتوي على كائنات هجينة بين الإنسان والحيوان.

هذه الرسومات قديمة تثير الفضول حول معتقدات وأساطير شعوب الأمازون القديمة.

غياب بعض الحيوانات الشائعة عن اللوحات يوحي باختيار رمزي متعمد.

تم اكتشاف اللوحات في مغارة "سيرو أزول" بعد اتفاق السلام في كولومبيا.

اللوحات تُبرز الأبعاد الروحية والفنية لمجتمعات الأمازون القديمة.

في أعماق غابات الأمازون الكولومبية، ظهرت للمرة الأولى لوحات صخرية تعود لآلاف السنين، تحمل مشاهد حيوانات وكائنات هجينة تجمع بين الإنسان والحيوان. هذه الرسومات، المرسومة بالأحمر الطبيعي المعروف بـ"الأوكر"، تثير الفضول حول معتقدات وأساطير شعوب عاشت هناك قبل ما يقارب 12,500 عام.

هذه الاكتشافات الأثرية، التي جرى نشر تفاصيلها في دراسة علمية حديثة، لا تُظهر حيوانات مألوفة كالغزلان والطيور والسلاحف فحسب، بل تتعدى ذلك إلى صور غامضة لكائنات نصفها بشري ونصفها حيواني. وهذا يدفع الباحثين للاعتقاد أن تلك المجتمعات القديمة لم تنظر للطبيعة كمصدر غذاء فقط، بل كحقل روحي وثقافي متداخل مع قصصهم وأساطيرهم. وهذا يفتح الباب لقراءة جديدة حول العلاقة بين الإنسان وبيئته في تلك العصور.


رموز تتجاوز حدود الطبيعة

ما أثار استغراب العلماء أن بعض الحيوانات الشائعة في الأمازون، مثل الأسماك أو القطط الكبيرة وعلى رأسها الجاغوار، غابت عن اللوحات تماماً. هذا الغياب المتعمد يوحي بأن الاختيار كان مقصوداً وله دلالة رمزية مرتبطة بطقوس أو معتقدات خاصة. والمثير أن الهجائن المرسومة قد تكون رمزاً لروحانيات أو آلهة، حيث يشير الباحث البروفيسور خوسيه إريارتي إلى أن تلك التصورات تقدم "بعداً أسطورياً يوضح كيف ربطت المجتمعات بين الأسطورة والواقع". وهنا يتضح أن الرسوم لم تكن للزينة فقط، بل لعبت دوراً في طقوس وهويات جماعية. وهذا يربط مباشرة بين الفن الجداري والوظيفة الطقسية التي حملها عبر الزمان.


موقع تاريخي يعيد كتابة الماضي

مغارة "سيرو أزول"، التي احتضنت هذه الأعمال الفنية، لم يكن الوصول إليها متاحاً لسنوات بسبب صراعات مسلحة في كولومبيا. لكن بعد اتفاق السلام عام 2016، عاد الباحثون ليستكشفوا الموقع ويفتحوا صفحة جديدة من التاريخ المخفي. ومنذ عام 2017، أثمرت الحفريات عن دلائل ملموسة على أن سكان الأمازون الأوائل كانوا مجتمعات متنقلة اعتمدت على الصيد وجمع الثمار، لكن حياتهم الروحية بدت على درجة من التعقيد لم تكن معروفة سابقاً. وهذا يوضح كيف أن الأمازون لم يكن مجرد موطن طبيعي، بل ساحة للخيال والإيمان العميق.


قراءة جديدة لهوية الأمازون القديمة

ذو صلة

من خلال هذه اللوحات، يُعاد رسم صورة الإنسان الأمازوني القديم: مزيج من صياد وجامع ثمار، لكنه أيضاً شاعر أساطير يخلط الواقع بالخيال ويحوّل العلاقة مع الحيوان إلى رمز مقدس. هذا الاكتشاف يقلب الفرضيات السابقة التي حصرت اهتمام هذه المجتمعات في البقاء اليومي، ليظهر لنا أن البُعد الروحي كان أساسياً في تكوين ثقافتهم. وبذلك تصبح الصخور نفسها شاهداً على أقدم تعبير فني وروحي في غرب الأمازون.

ما تكشفه هذه اللوحات ليس مجرد فن قديم، بل نافذة على عقلية شعوب جعلت من الطبيعة والروح والخيال نسيجاً واحداً. ويمكن القول إن الأمازون، الذي نراه اليوم غابة كثيفة بالأنهار والحيوانات، كان منذ آلاف السنين عالم أساطير مرسوم على جدران الصخور، يروي قصة الإنسان في معركته لفهم العالم.

ذو صلة