ذكاء اصطناعي

هيكل عظمي بحذاء جلدي محفوظ منذ 500 عام يُكشف في نهر التايمز… قصة رجل غمره الطين والزمن

محمد كمال
محمد كمال

3 د

عُثر على هيكل عظمي يرتدي حذاءً جلديًا من القرن الخامس عشر في نهر التايمز.

أشار الخبراء إلى ظروف حياة قاسية بالنظر إلى آثار التآكل في العمود الفقري والورك.

استخدام الأسنان في جر الحبال ربما يُشير إلى ممارسة مهنة مثل الصيد.

ظروف النهر تحفظ المواد العضوية كالجلد من التحلل لفترات طويلة.

الاكتشاف يبرز قصصاً غير معروفة عن حياة سكان لندن القدامى.

في واقعة فريدة أحدثت ضجة في الأوساط الأثرية، تم العثور على هيكل عظمي مدفون في ضفة موحلة من نهر التايمز بالعاصمة البريطانية لندن، وكانت المفاجأة الأكبر أن الرجل لا يزال يرتدي حذاءً جلديًا طويلًا بحالة شبه كاملة، على الرغم من مضي أكثر من خمسة قرون على دفنه.

كل شيء بدأ خلال أعمال بناء مشروع الصرف العملاق المعروف باسم “السوبر سيوَر” الذي يهدف لحماية نهر التايمز من مخلفات الصرف الصحي. لم يتوقع أحد من فريق علماء الآثار العاملين في منطقة بيرموندزي جنوب لندن أن يجدوا رفات إنسان بهذا الوضع الاستثنائي، خاصة وأن الجوار هو موقع نشط للحفريات وأعمال الإنشاءات منذ سنوات. هذا الاكتشاف، الذي وثقته مؤسسة MOLA Headland Infrastructure، أضاء بشدة تاريخ الحياة اليومية على ضفاف النهر، كما دفع الباحثين للتساؤل حول هوية هذا الرجل وظروف وفاته غير العادية.

من المثير أن الحذاء الجلدي الذي وجد مع الهيكل العظمي كان مرتفع العنق حتى أعلى الفخذين، مصنوع من الجلد السميك ومحشو بالأعشاب الجافة، وهو ما يشبه إلى حد بعيد أحذية المطر المطاطية الحديثة. هذه النوعية من الأحذية لم تكن شائعة في ذلك العهد، حيث كان أغلب الناس يستخدمون نعالًا أو أحذية قصيرة. هذا التفصيل دفع الخبراء لاستنتاج أن صاحب الهيكل كان يُمارس أعمالًا تتطلب احتكاكًا مباشرًا بالوحل والمياه لفترات طويلة، مثل الصيد أو جمع بقايا المعادن أو العمل في المراكب على ضفاف النهر.

وبالحديث عن تفاصيل حياة هذا الرجل وأثرها على جسده، وجد الباحثون آثار إجهاد وعلامات تآكل واضحة في فقرات عموده الفقري ومفصل الورك الأيسر، ما يشير إلى حياة قاسية مليئة بالعمل اليدوي الشاق، وربما تعرض لكثير من الحوادث والإصابات البسيطة دون علاج يُذكر. وذلك يلفت الانتباه إلى أن الحياة في لندن القديمة، خاصة على ضفاف التايمز، لم تكن سهلة وكانت تتطلب الكثير من الجلد والقدرة على التحمل.

وهذه التحريات حول طبيعة الأحذية واستخداماتها تعزز فهمنا لحياة وعمل سكان لندن القدماء، خصوصًا الفئات المهمشة التي لم تكن تُسجّل تفاصيل حياتها عادة في السجلات الرسمية.

وما يثير الفضول بين علماء الآثار أن الأسنان كان بها خطوط عميقة غير مألوفة، يُرجح أنها نتيجة استخدام الرجل لفمه في جذب الحبال — وهي طريقة اُشتهر بها البحارة أو الصيادون أو جامعو النفايات المعروفون باسم “مادلارك”. لم يعثر المحققون على آثار لجروح قاتلة أو علامات عنف واضحة على الرفات، كما لا توجد أدلة تشير إلى دفنه عمدًا بهذه الحالة، وهو أمر غير معتاد لأن الجلد في تلك الفترة كان غاليًا جدًا ولم يكن منطقيًا أن يُدفن أحد وهو يرتديه ما لم يكن موته وجرفه إلى النهر وليد الصدفة.

عند ربط هذه التفاصيل بالظروف البيئية للنهر، تتوسع القصة لتشمل أثر البيئة الفريدة لنهر التايمز والتي تحمي المواد العضوية مثل الجلد من التحلل الكامل عبر عقود طويلة، إذ أن الضفة تكون غنية بالطين قليل الأكسجين، ما يمنع البكتيريا من التهام هذه المواد سريعًا. ومن هنا تظهر لنا كيف يمكن للطبيعة أن تُحافظ على آثار الماضي وتعطينا مفاتيح لفهمه بدقة.

ذو صلة

إذا ربطنا بين هذا الحدث والاكتشافات السابقة في المنطقة، ندرك أن ضفاف نهر التايمز ليست مجرد مجرى مائي بل مستودع عميق لأسرار الحياة في لندن. تحت الوحل، تُخبئ الضفة قصص الصيادين، العمال، والرجال الذين عاشوا وماتوا دون أسماء، بينما تمنحنا الحفريات آثارًا ملموسة تساعد في رسم صورة أكمل لتاريخ المدينة غير المكتوب. أعمال التنقيب المستمرة توحي بأن هناك الكثير من المفاجآت الدفينة بانتظار من يبحث عن ماضي لندن.

خلاصة القول، هذه الحادثة النادرة لهيكل الرجل ذي الحذاء الجلدي ما هي إلا نافذة ساحرة تطل بنا على تفاصيل خفية لحياة العمال على ضفاف التايمز قبل 500 عام. فهي تبرز قسوة المهن اليدوية، وتكشف لنا كيف لعبت الظروف الطبيعية دورًا هائلًا في حفظ التراث، وتدعونا للتفكر بكل ما قد يحمله المستقبل من اكتشافات مدفونة في قلب عاصمة الضباب.

ذو صلة