ذكاء اصطناعي

قشرة بيض ديناصورات عمرها 85 مليون سنة تكشف أسرار المناخ القديم

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تمكن فريق بحثي صيني من تحديد عمر بيض ديناصورات بدقة في موقع تشينغلونغشان.

استخدم الباحثون تقنية جديدة للتأريخ باليورانيوم-رصاص لدراسة بقايا القشور.

تقدم الدراسة فهماً جديداً لتأقلم الديناصورات مع التغييرات المناخية القديمة.

يسعى الفريق لتوسيع الأبحاث لفهم هجرات الديناصورات عبر آسيا.

تبرز أهمية التكنولوجيا الحديثة في إعادة كتابة تاريخ الأرض والأنواع المنقرضة.

هل تخيلت يوماً أننا نستطيع فهم أسرار مناخ الأرض القديم من مجرد قشرة بيضة ديناصور متحجرة؟ في دراسة حديثة نشرت هذا الأسبوع، تمكن فريق بحثي صيني من تحديد عمر بيض ديناصورات عُثر عليه في موقع تشينغلونغشان بمقاطعة هوبي، وسط الصين، بدقة غير مسبوقة. هذه الخطوة العلمية الفارقة قد تقدم أدلة جديدة ومدهشة حول الظروف المناخية التي سادت الأرض قبل عشرات الملايين من السنين.

لطالما أثارت حقبة العصر الطباشيري فضول العلماء، فهي فترة شهدت نشاطاً بركانياً واسعاً، وأحداث اختناق في المحيطات، وانقراضات جماعية قلبت معالم الحياة. أحد مفاتيح فهم تلك الأحداث يأتي من الأحافير المتبقية، ومن بينها بيض الديناصورات.

فالاكتشاف الأخير في موقع تشينغلونغشان المعروف بكونه أول محمية صينية لبيض الديناصورات المتحجر، أتى ليحسم جدلاً قديماً حول عمر هذه البيوض الاستثنائية التي وصل عددها لأكثر من ثلاثة آلاف بيضة موزعة على ثلاثة مواقع رئيسية، محفوظة في صخور متنوعة مثل الحجر الرملي والصخور الفتاتية.

ربط هذا الاكتشاف بتاريخ الأرض والتطورات المناخية كان ممكناً بسبب تقنية غير مسبوقة استخدمها الفريق بقيادة الدكتور بي جاو من معهد هوباي لعلوم الأرض. بدلاً من الطرق التقليدية التي تعتمد على تأريخ الصخور المحيطة أو الطبقات البركانية، استخدم العلماء طريقة التأريخ باليورانيوم-رصاص مباشرة على الكربونات الموجودة في قشر البيض المتحجر. عن طريق شعاع ليزر دقيق، جرى تبخير عينات القشرة وحساب نسبة تحلل عنصر اليورانيوم إلى الرصاص باستخدام مطياف الكتلة، تماماً كما يعمل "ساعة ذرية" متناهية الدقة مع الأحفوريات.

ولأول مرة، أمكن الجزم بأن هذه البيوض تعود إلى نحو 85 مليون سنة، أي أواخر العصر الطباشيري، مع هامش خطأ ضئيل بحدود 1.7 مليون سنة صعوداً أو نزولاً. هذا الإنجاز العلمي يمنح الباحثين أداة موثوقة لرسم تسلسل زمني للزواحف العملاقة وأنواع الديناصورات المختلفة وتراجع تنوعها في تلك الحقبة، دون الاعتماد على تقديرات قد تتأثر بتغيرات لاحقة في التربة أو تأثيرات البراكين. يتبين هنا أن معظم البيوض تنتمي إلى نوع يُدعى "بلاكوليثوس توميولنينسيس"، وهو متخصص في قشورٍ ذات مسامية عالية من عائلة تُدعى ديندروأوليذيدا، وقد عُثر على إحدى البيوض ضمن عنقود مؤلف من 28 بيضة في طبقة صخرية مميزة.

هذا الربط الدقيق بين العمر الجيولوجي والتغير البيئي يساعد في فهم كيفية تعامل الديناصورات مع التبدلات الحادة في المناخ. ففي تلك الفترة الخاصة، بدأت الأرض تشهد تبريداً تدريجياً منذ العصر التوروني القريب، حيث انخفضت درجات الحرارة على نطاق واسع، ما دفع بعض الزواحف الضخمة للتكيف وربما ابتكار أنماط جديدة في بيضها وبنيته. وهنا يلمح العلماء إلى أن البنية المسامية الخاصة ببيض الديندروأوليذيدا تمثل على الأرجح نمط تأقلم تطوري مع تلك المتغيرات المناخية، في ظل ظهور أنواع غير مألوفة من قشور البيض حول العالم مع ازدياد البرودة.

وانطلاقاً من هذه النتائج، يرى الباحثون أن بعض الأنواع مثل “بلاكوليثوس توميولنينسيس” ربما وصلت إلى طريق مسدود تطورياً نتيجة عجزها عن التأقلم الكامل مع مناخ بارد آخذ في التشدد. هذه الفرضية تفتح نقاشات مثيرة حول تراجع أعداد الديناصورات وأنواعها في المراحل الأخيرة من العصر الطباشيري، وربما تفسر جزئياً كيف سبقت الكوارث البيئية الكبرى فترة الانقراض النهائي لهذه الكائنات.

ذو صلة

ولأن العلم لا يتوقف أبداً عند حد، فإن الفريق ينوي توسيع عمليات أخذ العينات من طبقات وصخور مختلفة في المنطقة، ومقارنة أعمار البيوض مع مواقع أخرى مجاورة بهدف فهم هجرات الديناصورات المحلية والإقليمية، ولرسم خريطة زمنية للمناخ وتنوع الكائنات على امتداد الصين وآسيا.

تشير هذه الدراسة إلى أهمية كل قطعة أحفورية –حتى أصغر القطرات في قشرة بيضة– في إعادة كتابة قصة الأرض القديمة. ومع تراكم الأبحاث واستمرار تقنيات التأريخ الحديثة، ينتظر العلماء المزيد من المفاجآت حول تاريخ الديناصورات والتقلبات المناخية الكبرى، التي لا تزال نتائجها مطبوعة حتى اليوم في حجر وصخر، تروي لنا روايات شيقة عن كوكبٍ مضى وزمنٍ لا يعوض.

ذو صلة