ذكاء اصطناعي

لم تكن أوروبا بعيدة… 138 أداة حجرية تكشف أن البشر عبروا من تركيا إلى أوروبا فوق أرض غمرها البحر لاحقًا

محمد كمال
محمد كمال

2 د

كشف جسر بري غارق عن مسار هجرة جديد من تركيا لأوروبا.

أكدت الاكتشافات أن الأراضي السابقة كانت ممرًا طبيعيًا للبشر الأوائل.

جمع فريق البحث أدوات حجرية توضح الاتصال الثقافي عبر الممر.

الاكتشاف يوسع فهم المسارات التي سلكها الإنسان البدائي القديم.

تفتح الأدلة الجديدة الاتجاهات لمزيد من أبحاث ما قبل التاريخ.

في اكتشاف أثري يفتح "صفحة جديدة بالكامل" في قصة الهجرة البشرية، عثر فريق من الباحثات في سواحل مدينة أيڤاليك التركية على دلائل تؤكد أن هذه المنطقة كانت بمثابة معبر بري سمح للبشر الأوائل بالانتقال من الأناضول إلى أوروبا خلال العصر الجليدي الأخير.

المثير أن ما بدا اليوم جُزراً وشبه جُزر مغمورة بفعل مياه بحر إيجه، كان في الماضي أرضاً متصلة، بعدما انخفض مستوى البحر بأكثر من مئة متر. هذا الانكشاف المؤقت للتضاريس شكّل ممراً طبيعياً قبل نحو مئة ألف عام، وهو ما يغير نظرتنا إلى المسارات المحتملة التي سلكها الإنسان البدائي.

في مسح استمر أسبوعين عام 2022، جمعت الباحثات 138 قطعة أثرية موزعة على مساحة تتجاوز 200 كيلومتر مربع. من بين هذه الأدوات كسين الحجارة الشهيرة بأسلوب "ليفالوا" الذي ارتبط بفنون النياندرتال والإنسان العاقل الأوائل. وجود هذه التكنولوجيا في أيڤاليك يعني أن المنطقة لم تكن معزولة، بل كانت جزءاً من شبكة واسعة تربط أفريقيا وآسيا بأوروبا من حيث التطور التقني.

وهذا يربط بين الأدوات المكتشفة وبين فرضيات سابقة عن التواصل الثقافي والهجرة عبر مسارات غير مطروقة.

تقول الدكتورة غُكنور كراهان من جامعة حاجيتَبه التركية إن حمل هذه الأدوات للمرة الأولى، في موقعٍ لم يوثّق سابقاً وجود أي مواد من العصر الحجري فيه، كان تجربة مؤثرة لا تُنسى. فقد اعتبرت أن الأيڤاليك "قد يكون بوابة جديدة في قصة انتشار البشر"، وأن الأمر لا يمس الماضي فقط، بل سيفتح اتجاهات جديدة لأبحاث علم آثار ما قبل التاريخ لعقود مقبلة.

ومع استمرار الفريق في مقابلة البيئة المحلية والتراث الجيولوجي للمنطقة، يتضح أن هذه السواحل لم تكن مجرد محطة عابرة، بل موطناً محتملاً طويل الأمد للبشر الأوائل.

لطالما ركّزت الدراسات السابقة على الممرات الشمالية التي ربطت آسيا بأوروبا عبر البلقان، لكن هذا الاكتشاف يضيف طريقاً جنوبياً محتملاً عبر جسر بري مؤقت. تلك المعابر المغمورة اليوم تعني أن أوروبا لم تكن معزولة عن محيطها الشرقي، بل كانت تستقبل موجات متتابعة من المهاجرين عبر أكثر من اتجاه.

ذو صلة

هذا يربط بين النظرية الجديدة والنقاش الأكاديمي الأوسع حول تنوع الطرق التي اتخذها الإنسان للخروج من أفريقيا نحو العالم القديم.

تكشف أدوات حجرية عادية المظهر، لكن استثنائية القيمة، عن أن أيڤاليك التركية قد تكون لعبت دور "المفرق التاريخي" بين قارتين. ومع كل قطعة يتم اكتشافها، يزداد وضوح الصورة التي تؤكد أن قصة الهجرة البشرية أكثر تعقيداً وتشعباً مما كنا نعتقد. الاكتشاف لا يثري فقط خريطة الماضي، بل يعيد كتابة أحد أهم فصول تاريخ الإنسان على وجه الأرض.

ذو صلة