ذكاء اصطناعي

أقرب مما تتخيل… كوكب لا يفصلنا عنه سوى 5 ساعات

أقرب مما تتخيل… كوكب لا يفصلنا عنه سوى 5 ساعات
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

أظهرت دراسات جديدة أن كوكب عطارد هو الأقرب لكوكب الأرض، وليس المريخ أو الزهرة.

توصل العلماء إلى هذه النتيجة باستخدام أسلوب "طريقة النقطة والدائرة" لقياس المسافات.

يتفوق عطارد بالسرعة في الدوران حول الشمس، مما يؤثر على قربه المتوسط من الأرض.

قد يُعيد الاكتشاف تعريف رحلات السفر الفضائي واستكشاف الكواكب القريبة كعطارد وتحدياته.

تُبرز الدراسة أهمية مراجعة الاعتقادات القديمة باستخدام أدوات قياس متقدمة ودقيقة.

عندما نتساءل من هو أقرب جار لنا من الكواكب، عادةً ما تتجه أنظارنا نحو كوكبي المريخ أو الزهرة. ولكن دراسات جديدة غيرت هذه النظرة بشكل جذري، وأظهرت مفاجأة غير متوقعة: أقرب كوكب إلى كوكب الأرض ليس المريخ ولا الزهرة، بل هو عطارد.

قد يبدو هذا غريبًا بعض الشيء، فعطارد لم يُعرف من قبل كجار قريب، خاصة أنه غالبًا لا يُذكر عندما يتعلق الأمر ببعثات الفضاء أو بالحديث عن احتمالات الاستيطان البشري في المستقبل. لكن مع تطور أساليب العلم، باتت الصورة أكثر وضوحًا ودقة.

فقبل فترة قصيرة، توصل علماء من وكالة "ناسا" ومركز البحوث الهندسية التابع للجيش الأمريكي إلى هذه النتيجة المفاجئة عبر استخدام أسلوب رياضي مبتكر يُسمى "طريقة النقطة والدائرة". هذه الطريقة تُعنى بقياس متوسط المسافات بين الكواكب على فترات زمنية طويلة بدلاً من الاعتماد فقط على أقرب نقطة اتصال بين كوكبين في لحظة معينة. هذه المقاييس أظهرت بشكل صادم أن كوكب عطارد هو في الواقع الأقرب إلينا من أي كوكب آخر، متفوقًا على الزهرة والمريخ.

ويرجع تفسير هذه النتيجة إلى السرعة الكبيرة التي يدور بها عطارد حول الشمس مقارنةً بالكواكب الأخرى. فسرعة عطارد العالية وحركته الدائمة في مدار صغير تجعل من تواجده في جانب واحد مع كوكبنا أمرًا أكثر تواترًا، وبالتالي تكون متوسط مسافته إلينا أقل مما هو معتقد سابقًا.

ولا تقتصر المفاجأة عند الأرض وحدها، فحسابات الباحثين بينت بوضوح أن عطارد هو في الحقيقة أقرب كوكب إلى كل الكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية من الناحية الإحصائية، بدءًا من الزهرة ووصولًا إلى نبتون البعيد، ما يُمثل تغييرًا جذريًا في منظورنا للعلاقات الفضائية بين هذه الأجرام السماوية.

هذا الواقع الجديد يفتح الباب أمام احتمالات مثيرة للاهتمام حول مستقبل السفر بين الكواكب. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن 77 مليون كيلومتر - وهي أقرب مسافة بين عطارد والأرض - قد تبدو هائلة بالمقاييس الأرضية، فإن قدرات مركبات فضائية متقدمة حاليًا مثل مركبة "باركر" التابعة لناسا يمكن أن تختصر هذه الرحلة إلى حوالي خمس ساعات فقط. هذه السرعات غير المسبوقة التي حققتها مركبات مثل باركر تعيد تعريف إمكانيات السفر الفضائي وتمدنا بأمل جديد في إمكانية الوصول للكواكب المجاورة بمدة زمنية يمكن تخيلها.

لكن لا تزال هناك عوائق بيئية وتقنية علينا مراعاتها. فعطارد كوكب قاسٍ للغاية، تصل درجة الحرارة فيه نهارًا إلى نحو 427 درجة مئوية وتنخفض في الليل إلى ما يقرب من 173 درجة تحت الصفر، كما يفتقر الكوكب لأي غلاف جوي يُذكر، ما يجعل أي مهمة بشرية مباشرة لاستكشافه شروطًا صعبة للغاية. لكن يمكن تجاوز هذه التحديات باستخدام المهمات الروبوتية مثل مهمة "بيبي كولومبو" الحديثة، والتي تبني على ما حققته المهمة السابقة "ماسنجر" التي كانت قد اكتشفت معالم مذهلة تتمثل في وجود جليد مائي في أعماق الحفر القطبية المظللة على سطح الكوكب.

تسلط هذه الدراسة الجديدة الضوء على ضرورة مراجعة وتصحيح ما نعتقده بديهيًا في العلوم. فالاكتشاف حول عطارد يُظهر أن بعض الأخطاء العلمية قد تستمر لفترات طويلة نتيجة التكرار دون تحقق أو بسبب الافتراضات الشائعة، ما يعيد تأكيد أهمية التحقّق من أساسيات العلوم باستخدام أدوات وأساليب قياس أكثر تقدمًا.

هذا الكشف يُبرز أيضًا أن تحسين طريقتنا لقياس المسافات والديناميات الكونية، على غرار ما فعلت تلسكوبات متطورة في دراسة الظواهر الفضائية البعيدة، يسهم بشكل كبير في تصحيح مفاهيمنا عن النظام الشمسي.

وبالطبع هناك تداعيات عملية لمثل هذه الاكتشافات. فعلى علماء الأحياء الفلكية أن يضعوا في حسبانهم عوامل القرب المكاني الجديدة هذه عند دراستهم لتطور الكواكب والحياة المحتملة عليها. ومن الناحية الهندسية، سيكون على مصممي الرحلات الفضائية إعادة التفكير والقيام بحسابات أكثر دقة لتخطيط مسارات وبعثات مستقبلية.

ذو صلة

في النهاية، ما تؤكده هذه الدراسة المهمة هو أن المفاجآت العلمية يمكن أن تأتي من المكان الأقل توقعًا. فعطارد الذي لطالما تجاهلناه لصالح جيران آخرين، ها هو الآن يحتل مكانة مركزية في فهمنا لجغرافية مجموعتنا الشمسية وعلاقاتها المعقدة.

هذه الدراسة تدعونا للاهتمام بالتفاصيل والحرص على استخدام أساليب بحث أكثر حداثة. فالعلم الحقيقي لا يستسلم للافتراضات القديمة، بل يظل متجددًا دائمًا، يبحث عن الحقيقة في النواحي البسيطة والقياسات الدقيقة التي قد تقلب المفاهيم رأسًا على عقب. وهكذا تصبح الأبحاث النابعة من أسئلة بسيطة قادرة على فتح أبواب واسعة نحو فهم أعمق للكون من حولنا.

ذو صلة