ذكاء اصطناعي

أكبر جهاز في العالم لرصد الجسيمات الشبحية يبدأ العمل في قلب الصين!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

بدأ مرصد "جيانغمِن للنيوترينوات تحت الأرض" في الصين عمله لرصد النيوترينوات الغامضة.

يبعد المرصد 700 متر تحت الأرض لحماية الأجهزة من الجسيمات الخارجية مثل الميونات.

يتضمن تصميم المرصد كاشف ضخم بحساسات ضوئية لرصد وميض النيوترينوات بدقة عالية.

يهدف المشروع لفهم ترتيب كتل النيوترينوات وأنواعها وتأرجحها وحل ألغاز فيزياء الكون.

يمثل المرصد مشروعًا عالميًا بمشاركة 700 باحث من 74 مؤسسة تحت الأكاديمية الصينية للعلوم.

قد لا نراها أو نشعر بها، لكنها تمر عبر أجسامنا بمئات التريليونات في كل ثانية. إنها النيوترينوات، الجسيمات الغامضة التي تُعد من أكثر ألغاز الفيزياء تعقيداً. واليوم، يضع العلماء في الصين خطوة كبرى نحو كشف أسرارها عبر تشغيل أضخم كاشف للنيوترينوات على مستوى العالم.

في افتتاح هذا المشروع العلمي، دخل مرصد "جيانغمِن للنيوترينوات تحت الأرض" – المعروف باسم **JUNO** – إلى الخدمة بعد سنوات من التحضير. الهدف ليس مجرد تسجيل مرور هذه الجسيمات شبه المستحيلة الالتقاط، وإنما محاولة فهم طبيعتها ورسائلها المخفية عن الكون. وهذا يربط بين السعي الحالي للفيزيائيين وأسئلة كبرى حول أصل المادة وتطور المجرات.


مختبر عملاق في باطن الأرض


يقع مرصد JUNO على عمق 700 متر تحت سطح الأرض، تحديداً بين محطتين نوويتين ضخمتين في مقاطعة قوانغدونغ، ما يوفّر بيئة تُغمر باستمرار بتدفقات النيوترينوات القادمة من الشمس والمفاعلات. عمق الحفر يُستخدم كدرع طبيعي لصد الجسيمات الأخرى مثل الميونات، بينما يغطي الكاشف نفسه حوض دائري ضخم مملوء بمياه فائقة النقاء لرصد أي جسيمات دخيلة طائشة. وهكذا يصبح المشهد مشابهاً لمختبر معزول بدقة بين الصخور.

هذا التصميم الفريد يقودنا إلى قلب التقنية المستخدمة في رصد النيوترينوات. ففي مركز المرصد كرة مملوءة بمادة سائلة تُسمى "المضيئة" تحيط بها أكثر من 43 ألف حساس ضوئي قادر على التقاط فوتونات فردية. التفاعل النادر بين النيوترينو والمادة يولّد ومضة ضوئية دقيقة، ومنها يستخلص العلماء معلوماتهم الأساسية. وهذا يربط التجهيزات المعقدة بمعركة الفيزياء المستمرة لفهم التراكيب الدقيقة للمادة.


أسرار الكتلة وتحوّلات الأنواع


النيوترينوات ليست نوعاً واحداً بل ثلاثة: إلكتروني، ميووني، وتاو. والأكثر غرابة أنها تستطيع "التأرجح" بين هذه الأنواع في أثناء حركتها، وهو ما يُعرف بظاهرة التذبذب. أحد الأهداف الرئيسية لـ JUNO هو فك لغز ترتيب الكتل بين هذه الأنواع: أيها أخف وأيها أثقل. هذا السؤال البسيط ظاهرياً ما زال يشكل تحدياً هائلاً، لكنه مفتاح لفهم كثير من أسرار الكون. وهكذا يتضح أن المشروع لا يقتصر على العدّ بل يذهب أبعد ليقترب من لب الفيزياء الحديثة.


بوابة نحو الفلك والجيولوجيا

ذو صلة


إلى جانب الفيزياء الأساسية، يأمل العلماء أن يفتح المرصد نافذة على مجالات أخرى مثل علم الكونيات، حيث يُعتقد أن النيوترينوات لعبت دوراً أساسياً في الانفجار العظيم، وعلى علم الفلك من خلال تتبع انفجارات السوبرنوفا، وحتى على الجيولوجيا بفضل انبعاث النيوترينوات من الصخور المشعة في باطن الأرض. وهذا يربط أهمية المشروع بعلوم شتى لا تقتصر على المختبر وحده.

في النهاية، يجمع مرصد JUNO أكثر من 700 باحث من 74 مؤسسة حول العالم تحت مظلة الأكاديمية الصينية للعلوم. ومن المتوقع أن يستمر عمله لعقد كامل، يجمع خلاله بيانات كفيلة بإضاءة جانب طالما ظل مظلماً في فيزياء الجسيمات. فإذا نجحت هذه المغامرة العلمية، قد نكون أمام ثورة في فهم المادة والطاقة والكون ذاته.

ذو صلة