ذكاء اصطناعي

أول عملية نقل آني بين حواسيب كمية تغيّر قواعد اللعبة!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أعلنت جامعة أكسفورد عن أول نقل كمّي بين حاسوبين كمّيين منفصلين.

الإنجاز يفتح الباب لجيل جديد من الحواسيب فائقة السرعة والقدرة.

يعتمد الإنجاز على الحوسبة الكمّية والاتصال الضوئي باستخدام الفوتونات.

التجربة تمهد الطريق للحوسبة الكمّية الموزعة والإنترنت الكمّي الآمن.

يسعى الباحثون لتحسين سرعة التشابك ودقة الحسابات.

في خطوة قد تغيّر قواعد اللعبة في عالم الحوسبة، أعلن علماء من جامعة أكسفورد عن إنجاز علمي وصفوه بالتاريخي، بعدما نجحوا في تنفيذ عملية “انتقال كمّي” بين حاسوبين كمّيين منفصلين. هذا الابتكار لا يعني فقط قفزة في مجال الفيزياء الكمية، بل يفتح الباب أمام جيل جديد من الحواسيب فائقة السرعة والقدرة على معالجة المعلومات بطريقة لم تكن ممكنة من قبل.

ويأتي هذا الكشف بعد سلسلة أبحاث طويلة في مجال **الحوسبة الكمّية** و**الاتصال الضوئي** باستخدام **الفوتونات**. فقد تمكن الفريق البحثي من ربط وحدتين كمّيتين مستقلتين لتبادل المعلومات من خلال ظاهرة **التشابك الكمّي**، وهي الأساس الذي يُبنى عليه مفهوم “الانتقال الكمّي”.

وهذا الإنجاز يقربنا أكثر من تحقيق حلم **الحوسبة الكمّية الموزّعة**، حيث يمكن للحواسيب الكمّية أن تعمل كوحدات مترابطة تشارك القدرة الحسابية فيما بينها، تماماً كما تتصل الحواسيب التقليدية عبر الإنترنت.


ما الذي يجعل الحواسيب الكمّية فريدة؟

تُعتبر الحواسيب الكمّية ثورة مقارنة بالحواسيب الكلاسيكية، إذ تعتمد على المبادئ الفيزيائية للجسيمات الذرية، باستخدام “البتات الكمّية” أو **الكيوبتات**. على عكس البت العادي الذي يكون في حالة “0” أو “1”، يمكن للكيوبت أن يكون في كلا الحالتين في الوقت نفسه بفضل ظاهرة **التراكب الكمّي**، ما يمنح هذه الأجهزة قدرة هائلة على معالجة مجموعات معقدة من البيانات دفعة واحدة.

لكن هناك تحدٍ كبير يواجه العلماء: كلما زاد عدد الكيوبتات في النظام، أصبح أكثر عرضة للتشويش والاضطراب بسبب **الضوضاء الكمّية**. هذه المشكلة جعلت بناء حاسوب كمّي ضخم مستقراً مهمة شبه مستحيلة حتى وقت قريب.

ولهذا السبب، اتجه الباحثون إلى فكرة أكثر مرونة: تقسيم المهام بين عدة أنظمة كمّية صغيرة وربطها بوسائط ضوئية، حتى تعمل ككيان واحد. وهذا تماماً ما حققه فريق أكسفورد.


تجربة النقل الكمّي: حين تتحد “أليس” و“بوب”

في التجربة التي نُشرت نتائجها في مجلة *نيتشر*، استخدم الفريق وحدتين كمّيتين رمز لهما باسم “أليس” و“بوب”. وُضعت كل وحدة على بُعد مترين تقريباً من الأخرى، وكل منهما تحتوي على أيونات تستخدم لإرسال الفوتونات وتخزين البيانات الكمّية. هذه الفوتونات كانت تُرسل إلى جهاز بصري وسيط يُعرف باسم “محلل حالة بيل”، حيث يحدث **التشابك الكمّي** الذي يربط كلاً من النظامين في لحظة واحدة، ليبدآ في تبادل المعلومات دون أي اتصال مادي مباشر.

وبفضل هذا الترابط، أصبح بإمكان الجهازين تنفيذ عمليات حسابية كمّية مشتركة، وكأنهما دمجا ليشكّلا حاسوباً واحداً. وأوضح الباحث دوغال ماين من قسم الفيزياء في أكسفورد أن “الربط بالفوتونات يمنح النظام مرونة كبيرة، إذ يمكن ترقية الوحدات أو استبدالها دون التأثير على البنية العامة”.

هذا الترابط بين المفهومين النظري والتطبيق العملي هو ما يجعل التجربة ثورية بحق، ويمهد الطريق أمام شبكات كمّية ضخمة.


نحو الحوسبة الكمّية الموزعة والإنترنت الكمّي

تفتح هذه التجربة الباب أمام ما يُعرف بـ **الحوسبة الكمّية الموزعة (DQC)**، وهي استراتيجية تهدف إلى تقسيم المهام المعقدة على عدد من الحواسيب الكمّية الصغيرة بدلاً من الاعتماد على جهاز واحد ضخم. بهذه الطريقة، يمكن الجمع بين كثافة القدرة الحسابية واستقرار الأنظمة محدودة الحجم.

ويقول البروفسور ديفيد لوكاس، المشرف على البحث، إن “النتائج تُظهر أن معالجة المعلومات الكمّية عبر شبكات متصلة أصبح ممكناً بالتقنية الحالية”، مشدداً على أن التحدي المقبل هو “تحسين سرعة توليد التشابك ودقة الحسابات”.

وهذا النجاح يرتبط مباشرة بأحلام بناء **الإنترنت الكمّي** في المستقبل، حيث يمكن نقل المعلومات عبر مسافات طويلة بأمان تام، إذ إن أي محاولة اختراق تؤدي فوراً إلى كشف التلاعب بفضل طبيعة التشابك الكمّي الحساسة.

ذو صلة

خاتمة

إن ما حققه علماء أكسفورد لا يُعد مجرد خطوة إضافية في تطور الحوسبة، بل يمثل رؤية جديدة لكيفية تواصل الآلات ومعالجة البيانات على مستوى الجسيمات. ومع استمرار التطوير في مجالات **الاتصالات الضوئية** و**الخوارزميات الكمّية** و**الأمان الرقمي**، يبدو أننا نقترب من زمن تصبح فيه شبكات الحوسبة الكمّية واقعاً ملموساً، يغيّر نظرتنا للتكنولوجيا كما فعل الإنترنت في بداياته.

ذو صلة