إشارات غامضة من أعماق الجليد: هل نحن أمام فيزياء جديدة قد تعيد صياغة فهمنا للكون؟

3 د
مرصد "أنيتا" يلتقط إشارات غامضة من فوق القارة القطبية الجنوبية.
الإشارات تبدو كأنها تأتي من تحت الجليد بزوايا غير ممكنة.
قد تشير الإشارات إلى وجود جسيمات جديدة أو تفاعل غير معروف.
العلماء يطورون جهاز استشعار جديدًا لمحاولة فهم مصدر الإشارات.
الحدث يثير فضول العلماء ويحفز استكشافات جديدة في الفيزياء.
تخيّل للحظة سماع إشارات غامضة تأتيك من مكان لم تتوقعه يومًا، إشارات راديوية مجهولة المصدر تظهر في أعالي السماء فوق القارة القطبية الجنوبية. هذه الإشارات، التي حيّرت عقول العلماء، قد تكون دليلًا على وجود جسيم جديد أو تفاعل فيزيائي لم يكن معروفًا من قبل.
بدأت القصة مع مرصد "أنيتا" ANITA، وهو نظام متطوّر من الهوائيات الحساسة التي تُثبّت على بالونات تحلق عاليًا فوق الجليد القطبي. تحاول هذه المعدات رصد جسيمات كونية عالية الطاقة جدًا، أبرزها النيوترينوات، التي تصلنا عبر الكون وتحمل معها معلومات قيمة عن الأحداث البعيدة والانفجارات الكونية النادرة.
ولكن ما اكتشفه العلماء كان مفاجأة غير متوقعة، فالإشارات التي التقطتها "أنيتا" كانت غريبة ومحيرة: فقد بدت وكأنها تأتي من تحت سطح الجليد نفسه، بزوايا مستحيلة حسب قوانين الفيزياء المعروفة، وهذا أمر أثار العديد من الأسئلة التي لم يجد لها الباحثون إجابات واضحة بعد.
هل نحن أمام جسيمات جديدة غير معروفة؟
حسب تصريحات الباحثة ستيفاني ويسل من جامعة ولاية بنسلفانيا، فإن هذه الإشارات ببساطة "لا تتماشى مع ما نعرفه عن النيوترينوات". والنيوترينو هو نوع من الجسيمات الصغيرة جدًّا عديمة الشحنة، فهي تمر من خلال أجسامنا وكوكبنا دون أن نلاحظها، ولهذا تُلقّب بالجسيمات الشبحية. ورغم إمكانية وجود المليارات منها تمر في أجسادنا كل ثانية، فإن النيوترينوات من النادر جدًا رصد تفاعلها.
لكن الاشارات الأخيرة خالفت كل ما توقعه العلماء، حيث وصلت إلى أجهزة الرصد بعد أن مرّت على الأرجح من آلاف الأميال من الجليد والصخور الصلبة، وهو أمر نظريًا مستحيل تقريبًا. ما يجعل العلماء الآن أمام احتمالين مثيرين للغاية: إما جسيم غير معروف تمامًا أو ربما شكل من أشكال المادة المظلمة الغامضة التي قد تشكل ما يصل إلى 85% من كتلة الكون، ويبقى إلى اليوم طبيعتها لغزًا كبيرًا.
ولتوضيح ما يحدث، شرحت ويسل مثال كرة ترتدّ في اتجاه لا تراه عينك؛ عادة يمكنك تتبع مسار الكرة للوراء لمعرفة مصدرها، ولكن هذه الإشارات الراديوية كسرت القواعد، فلا يمكن تعقّبها أو فهم سلوكها المثير للدهشة. ولا تزال هذه التساؤلات مفتوحة أمام الخبراء، وتخلق تحدّيًا كبيرًا لقدراتنا التقنية والعلمية الحالية.
ولتجاوز هذا التحدي ومحاولة الكشف عن لغز هذه الإشارات الغريبة، يعمل فريق من العلماء على تطوير جهاز استشعار أكثر حساسية يُسمى "بيو" PUEO. ومع هذا الجهاز الجديد، يأمل العلماء في التقاط مزيد من البيانات التي قد توضّح مصدر هذه الإشارات أو تقودهم نحو اكتشاف علمي تاريخي، مثل تأكيد وجود جسيمات أو تفاعلات جديدة تغيّر تمامًا فهمنا الحالي للكون.
بالطبع هناك احتمال أن تكون هذه الظاهرة نتيجة لسلوك غير معروف تمامًا للإشارات الراديوية بالقرب من الجليد، وهي نقطة ما تزال بحاجة لدراسة عميقة لاستخلاص نتائج أوضح.
هذا الحدث يُعيد إلينا إحساس الطفل الذي كنا عليه ونحن نتأمل السماء في الليل ونتساءل عن أسرار الكون الذي نراه فوق رؤوسنا؛ فلا زال هناك الكثير مما لا نعرفه والذي يغذّي فضول البشر ويواصل تحفيز العلماء لاستكشاف آفاق مجهولة.
وربما يكون مستقبلاً من المفيد التعمّق أكثر في تفسير هذه الظاهرة عبر استخدام مصطلحات أكثر دقة وتوضيح الاتصالات النظرية بالمفاهيم المعروفة لتعزيز التماسك في الوصول لفهم أوضح أمام الجميع.
وفي النهاية يبقى السؤال مطروحًا: ما الذي تخفيه هذه الإشارات الغامضة فوق القارة المتجمدة؟ هل نحن على أعتاب فيزياء جديدة ستعيد صياغة فهم الإنسان للكون بأكمله؟ هذا ما ننتظر أن تجيب الأيام عنه بشغف وتشوّق.