ذكاء اصطناعي

اكتشاف خلايا طفولية في أدمغة البالغين يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الأمراض العصبية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشف بحث سويدي أن الدماغ البالغ يمتلك خلايا جذعية عصبية نادرة.

أظهرت الدراسة وجود تجدد عصبي في الحُصين، مركز الذاكرة والتعلّم.

تستخدم الدراسة خوارزمية متقدمة لاكتشاف الخلايا السلفية في أدمغة البالغين.

توفر النتائج أملاً في تطوير علاجات لأمراض عصبية مثل الزهايمر والخرف.

لطالما ساد الاعتقاد العلمي بأن الدماغ البشري يفقد قدرته على إنتاج خلايا عصبية جديدة بمجرد بلوغ مرحلة الرشد، وأن ما ينمو في طفولتنا يرافقنا بقية العمر دون تجدد. غير أن فريقاً من الباحثين السويديين أثبت مؤخراً، في دراسة رائدة نشرتها مجلة Science، أن هذا الاعتقاد بات من الماضي؛ إذ كشفوا عن وجود خلايا جذعية عصبية في أدمغة البالغين، وهي من نوع يُفترض ألّا يوجد سوى في مرحلة الطفولة! هذا الاكتشاف يفتح الباب لآمال جديدة في مواجهة الأمراض العصبية والتنكسية.

ففي محاولة لسبر أغوار مرونة الدماغ أو "المرونة العصبية"، ألقى العلماء الضوء على عملية إنتاج الخلايا العصبية المعروفة بالنمو العصبي، وهي عملية ترتبط عادة بمرحلة الطفولة، حين نكون في أمسّ الحاجة لتعلم واكتساب الذكريات. تعلّق الأمر هنا تحديداً بمنطقة الحُصين، ذلك الجزء الحيوي في الدماغ المسؤول عن الذاكرة والتعلّم والمشاعر، وهو ما جعل التساؤلات تزيد: هل بإمكان البالغين الاستفادة من نفس قدرات ترميم وتجديد الدماغ التي يتمتع بها الأطفال؟

ومن هنا انطلقت رحلة بحث علمي بدأت قبل أكثر من عشر سنوات، حدد خلالها علماء معهد كارولينسكا السويدي وجود إشارات خافتة على استمرار النمو العصبي، وخصوصاً في الحصين. لكن وجود خلايا "الجد السلف" العصبية أو "الخلايا السلفية" التي تمثل الحلقة الوسيطة بين الخلايا الجذعية والعصبية الناضجة ظل لغزاً محيراً. باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات الفحص الجزيئي المتقدم، استطاع فريق الدراسة الجديدة رصد تلك الخلايا السلفية — المعروفة أيضاً بخلايا انتاج العصبونات — في عينات أدمغة أشخاص بين العشرين والثامنة والسبعين من العمر. تمركزت هذه الخلايا في "التلفيف المسنن"، أحد أبرز مراكز الذاكرة، ما شكل أول إثبات مباشر على استمرار القدرة التجديدية للدماغ طوال الحياة.

من المثير أن فريق البحث طور خوارزمية متقدمة تعتمد على التعلم الآلي لتحليل البصمات الجزيئية للخلايا السلفية المأخوذة من أدمغة أطفال متوفين واستخدمها لتمييز وجود الخلايا الشبيهة بها في أدمغة البالغين. كان التحدي كبيراً، إذ أن هذه الخلايا شديدة الشبه بنظيراتها لدى الفئران ويصعب تمييزها وسط بحر الخلايا العصبية الناضجة. ينقل العلماء أن الذكاء الاصطناعي استطاع اكتشاف 83% من هذه الخلايا بنجاح في النماذج الحيوانية، ثم أكد وجودها لدى تسعة من أصل أربعة عشر متبرعاً من البالغين، مع تفاوت كثافتها بين الأفراد، وهو ما يشير لتدخل الوراثة أو البيئة وربما نمط الحياة في امتلاك هذه القدرة الفريدة.

ذو صلة

وهذا يعيدنا للسؤال الجوهري: لماذا اكتشاف هذه الخلايا الطفولية مهم لكل منا؟ ببساطة، لأنها تمثل "المفتاح المفقود" الذي يمكن أن يوفر قفزة نوعية في فهم آليات إصلاح الدماغ، ما ينعكس مباشرة على الأمل بتطوير علاجات موجهة ضد أمراض تتعلق بتلف أو تنكّس الخلايا العصبية مثل الزهايمر والخرف وحتى بعض الاضطرابات النفسية. إذا ثبت أن البيئة ونظام الحياة يُسهمان في بقاء هذه الخلايا السلفية نشطة لدى البعض، قد تصبح التدخلات الطبية المُحفّزة للنمو العصبي جزءاً من بروتوكولات العلاج المستقبلية.

تلخيصاً، لم يعد الدماغ البشري مصدراً للثبات الجمودي كما كنا نعتقد، بل أثبتت الأبحاث الأخيرة أنه يحتفظ بقدرات خفية على التجدد وإعادة النمو حتى بعد تجاوز سن الطفولة بسنوات طويلة. إن تبيان وجود هذه الخلايا العصبية السلفية يدعم رؤية جديدة أكثر تفاؤلاً لطب الأعصاب، يربط بين الاكتشافات المعملية والتطبيقات الطبية المحتملة. ولعل من الأفضل للقارئ الانتباه إلى المصطلحات: كلمة "حُصين" تُستخدم كثيراً في الدراسات العربية بدلاً من "القرن الأمامي"، لذا قد يكون من الأدق توحيدها واستخدم مرادفات مثل "منطقة الذاكرة" لزيادة الوضوح، وربما تستطيع الفقرة الثانية الاستفادة أكثر من جملة تربط "مرونة الدماغ" مباشرة بإمكانيات الاستشفاء عند البالغين حتى تكتمل فكرة الترابط المنطقي بين الفقرات. العلم يثبت، مرة أخرى، أن أبواب الأمل في معالجة أمراض الدماغ قد تظل مفتوحة على مصراعيها ما دمنا لا نتوقف عن البحث والتساؤل.

ذو صلة