ذكاء اصطناعي

اكتشاف مثير: قمر زحل قد يحتوي على حياة غريبة بحجم “كلب صغير”

محمد كمال
محمد كمال

3 د

يحتمل أن يحتوي "تيتان" قمر زحل على حياة بكتيرية بسيطة بحجم صغير جدًا.

توجد على تيتان جزيئات عضوية ضرورية للحياة ومستودعات مياه تحت السطح.

استُخدم نموذج "التخمر" لدراسة إمكانية وجود حياة بسيطة في تلك الظروف القاسية.

رغم النتائج البسيطة، يظل الاكتشاف مثيرًا لبحث الكائنات البدائية في البيئات القصوى.

منذ زمن طويل تحلم البشرية باكتشاف حياة خارج كوكبنا. وبينما اعتدنا أن نتخيل تلك الحياة كمخلوقات فضائية كبيرة وغريبة، يأتي علماء الفلك اليوم بتصور أقل إبهاراً لكنه مثير بشكل خاص: يتحدث أحدث بحث عن أن الحياة على "تيتان"، أكبر أقمار زحل، قد تكون موجودة بالفعل ولكنها صغيرة ومحدودة لدرجة أن وزنها الكامل لا يتجاوز وزن كلب صغير!


تيتان: قمر استثنائي بمواصفات خاصة

يمتلك تيتان طبيعة خاصة تماماً، هذا القمر الضخم يدور حول كوكب زحل ويتميز بوفرة هائلة من الجزيئات العضوية، وهي المركبات الكيميائية التي تتشكل أساساً من الكربون، وتعتبر أساس الحياة على كوكبنا كذلك. لكن على عكس الأرض، تتجمد الطاقة المتمثلة في شكل بحيرات وأنهار هيدروكربونية سائلة بدرجة حرارة تصل إلى 179 تحت الصفر، مشكلةً أنهاراً وبحيرات عملاقة تشبه في حجمها البحيرات العظمى في أمريكا الشمالية.

وعلى الرغم من هذه الظروف القاسية، تخفي قمرة تيتان تحت سطحه المتجمد محيطاً مائياً ضخماً مغطى بطبقة من الجليد يتجاوز سمكها 100 كيلومتر، وهو شبيه بحلوى "الجوبريكر" ذات الطبقات الكثيرة، وفقاً لما أوضحته البيانات من مسبار "كاسيني-هويجنز" الذي حلّق بالقرب منه.

وهذه الطبقة الجليدية تتساقط عليها باستمرار جزيئات عضوية من الجو الذي يضم غيوماً مشبعة بالميثان، وتستقر هذه الجزيئات لتشكّل كثباناً ضخمة تشبه أكوام حبيبات القهوة.

وهنا يتساءل علماء الأحياء الفضائية عن إمكانية تسرب هذه الجزيئات العضوية إلى ذلك المحيط البعيد عبر أماكن ذوبان الجليد التي تسببها الارتطامات النيزكية.

وبهدف الإجابة عن هذه التساؤلات، قام باحثون من جامعة أريزونا الأمريكية باستخدام نماذج حيوية الطاقة لمعرفة إذا كانت تلك الجزيئات قادرة على دعم وجود ميكروبات بسيطة في المحيطات الغامضة تحت جليد تيتان.


ميكروبات تيتان: أبسط صور الحياة الممكنة

ما الذي توصل إليه العلماء؟ النتيجة تبدو محبطة نوعاً ما للحالمين بمدن فضائية ناشطة ومتنوعة: قدرة المحيط الحيوي الكاملة في تيتان – حسب الدراسة الجديدة – بالكاد تكفي لإشباع خلية واحدة من النوع القادر على التخمر في كل لتر من مياه المحيط. بمعنى آخر، إذا كان هناك بالفعل كائنات حية في تيتان فإن إجمالي وزنها قد لا يصل إلا إلى بضعة كيلوغرامات فقط، بحجم كلب من الفصائل الصغيرة!

ولذلك يشبه العلماء فرصة اكتشاف ميكروب في مياه القمر الواسعة كمحاولة إيجاد إبرة في كوم قش يبعد عنا حوالي 800 مليون ميل!

ولكن لماذا استخدم الباحثون في نماذجهم البيولوجية عملية "التخمر" تحديداً كمقياس لوجود حياة؟ لأن التخمر هو واحد من أبسط وأقدم آليات التنفس والأيض على الأرض، لا يحتاج للأكسجين، ويعتبره العلماء نموذجاً أساسياً يمكن أن يحدث حتى في أصعب الظروف وأقسى البيئات الفضائية الممكنة. العملية التي تعطينا على الأرض طعاماً شهياً ومشروبات مثل اللبن والزبادي ومخبوزات العجين المخمر.

هذا الاختيار البسيط مكّن فريق البحث من تجنب الافتراضات المعقدة أو غير الواقعية حول أنواع غريبة وغير معروفة من عمليات الأيض الفضائي، التي يُعتقد بوجودها في أماكن أخرى من الكون.


تحديات وتطلعات: كيف يمكننا المضي قدُماً؟

رغم النتائج المتواضعة التي قدمتها الدراسة، لا تقل أهميتها على مستوى البحث العلمي وأحلام الإنسانية؛ فهي تؤكد بشكل رئيسي أن الظروف الأساسية للحياة – الجزيئات العضوية السائدة مثل "الجليسين" – موجودة بوفرة على تيتان وقد تكون جاهزة للمساهمة في نشوء أشكال أولية جداً من الحياة.

ذو صلة

وتحثنا النتيجة أيضاً على مواصلة العمل وتطوير تقنياتنا العلمية حتى نتمكن مستقبلاً من دراسة العينات بفعالية أكبر وبدقة أعلى، وربما يتطلب ذلك التركيز على تحديد المناطق الأكثر ثراءً بالطاقة والمغذيات والتي قد تزيد احتمالات وجود الحياة فيها.

في النهاية، وعلى الرغم من بساطة تلك الأشكال الممكنة من الحياة وتواضعها، يبقى احتمال وجود كائنات في محيط تيتان نقطةً محورية تكشف لنا كثيراً عن نشأة الكائنات البدائية في ظروف قصوى. وهكذا حتى لو لم تعثر البشرية بعد على الكائنات الفضائية الأسطورية الكبيرة، فإن مجرد اكتشاف آلية حياتية بسيطة ومحتملة في عوالم بعيدة مثل تيتان سيكون إنجازاً عظيماً، يفتح أبواباً واسعة لأبحاث جديدة واعدة.

ذو صلة