ذكاء اصطناعي

اكتشاف يغيّر نظرتنا للقطب الشمالي: الطين القديم يكشف أسرار جليدية مدفونة منذ 750 ألف عام

محمد كمال
محمد كمال

3 د

كشف الطين القديم عن جليد قطب شمالي موسمي يمتد 750 ألف عام.

تم جمع الأدلة من أعماق هضبة يرمَك والبحار النوردية.

أظهرت النتائج استمرار ذوبان الجليد وتكوّنه عبر التاريخ.

النماذج المناخية أكدت تأثير التيارات الأطلسية الدافئة.

يساعد الاكتشاف في تحسين دقة التنبؤات المستقبلية للجليد.

حين نسمع عن القطب الشمالي، غالبًا ما نتصور غطاءً جليديًا كثيفًا لا يعرف الذوبان، يغطي جزءًا هائلًا من المحيط المتجمد الشمالي خلال العصور الجليدية القديمة. لكن دراسة حديثة صدرت في مجلة "ساينس أدفانسز" كشفت مفاجأة مدوية، أطاحت بهذا التصوّر الراسخ، مستندة إلى أدلة دقيقة للغاية جمعها العلماء من أعماق الطين القديم.

نبدأ القصة من عينات لب رواسب بحرية جُمعت من أعماق مناطق شمالية مثل البحار النوردية وهضبة يرمَك قرب سفالبارد. هذه العينات احتفظت بما يشبه السجل الزمني الموثق للحياة الميكروبية في المياه القطبية عبر 750 ألف سنة، عبر آثار جزيئات كيميائية أفرزتها أنواع الطحالب البحرية. الجدير بالذكر هنا أن بعض هذه الطحالب لا تعيش إلا عندما يكون هناك مياه سائبة أو جليد موسمي رقيق يسمح بنفاذ الضوء، مما يعني أن سطح المحيط لم يكن محتجزًا بالكامل تحت درع جليدي دائم، كما اعتقد السابقون.

وبهذا، فإن هذه النتائج الفريدة تربط بين الجدل المستمر في الأوساط العلمية والحاجة لفهم كيف واجه نظام القطب الشمالي التغيرات المناخية الكبرى في الماضي. الأهم من ذلك، يفيد فريق البحث أن اكتشاف بقايا مركب يُسمى IP25 — تنتجه الطحالب التي تزدهر في الجليد البحري الموسمي ويتواجد بشكل منتظم في طبقات الطين كان بمثابة الدليل القاطع على استمرار دورة ذوبان وتكوّن الجليد البحري، حتى في أعتى مراحل البرودة الجليدية.


عنوان فرعي: كيف ساعدت النماذج المناخية في فك اللغز؟

ولحل المزيد من تفاصيل هذا اللغز، استعان العلماء بمحاكاة مناخية رقمية متقدمة باستخدام نظام AWI لمحاكاة الأرض. ركزت النماذج على أكبر محطتين للجليد خلال آخر 750 ألف سنة، إحداهما قبل 21 ألف عام والثانية فيما يقارب 140 ألف سنة ماضية. وتبين أن التيارات الأطلسية الدافئة ظلت تتسلل إلى المحيط القطبي، مانعةً تجمده الكامل حتى في أقسى الفترات. هذا التداخل بين الرواسب البيولوجية والنماذج المناخية يدعم بقوة فكرة وجود مناطق مفتوحة أو ذات جليد رقيق، وليس غطاءً جليديًا دائمًا وسميكًا.

وهذا ينتقل بنا إلى التساؤل حول دلائل بعض العلماء ممن رجحوا وجود غطاء جليدي سميك ومتصل غطى المحيط القطبي بالكامل. الفريق البحثي طرح أن هذا السيناريو ربما حدث بشكل مؤقت وفي مناطق محدودة جدًا أثناء أشد موجات البرد قبل حوالي 650 ألف عام، حيث انخفضت الإشارات الحيوية تقريبًا للاختفاء في تلك الفترة، لكنها تعود بعدها. ولم يظهر في السجل أي دليل على غطاء جليدي ثابت وعميق استمر آلاف السنين بلا انقطاع، بحسب ما أكدت الاختبارات، وهو ما ينسف فكرة "الدرع الجليدي" الأحادي المتصل.

ذو صلة

من هذا المنظور، يُسلط البحث الضوء على قدرة النظام القطبي الشمالي على مقاومة التحولات المناخية العنيفة عبر آلاف السنين، وهو موضوع شديد الصلة بزمننا الراهن الذي يشهد تسارع الذوبان وآثار التغير الحراري الملموسة. الاكتشافات الحديثة حول سلوك الجليد البحري والتيارات المحيطية تقدم للعلماء معلومات ثمينة لتحسين دقة تنبؤاتهم بكيفية تغير توزيع الجليد مستقبلاً، وما إذا كنا بالفعل على أعتاب نقاط حرجة قد تغيّر وجه المنطقة للأبد.

وفي النهاية، تلخص الدراسة محورية دور الأبحاث متعددة التخصصات — من علم الرواسب والأحياء الدقيقة إلى النمذجة الرقمية — في تفكيك أسرار ماضٍ بارد يحمل إشارات مفصّلة لمستقبل أكثر دفئًا. ربما لو استُخدمت مفردات أو مرادفات أقوى لكلمة "الغطاء الجليدي" مثل "الدرع الجليدي الحصين" لظهر الفارق بوضوح أكبر بين الأطروحات المتنافسة، ويمكن كذلك تدعيم الانتقالات بجمل أوضح تربط كل فقرة بأهميتها العلمية والعملية، ليصبح السرد أكثر سلاسة ويلمس القارئ صورة شاملة لتاريخ القطب الشمالي ومستقبله المحتمل.

ذو صلة