اكتشاف 60 مقبرة أثرية في تركيا يعيد كتابة تاريخ يمتد لأكثر من 2200 عام!

3 د
اكتشف فريق تنقيب تركي 60 مقبرة أثرية في مدينة كولوساي بجنوب غرب تركيا.
تعود المقابر إلى 2200 عام، وتقدم لنظرة نادرة على طقوس الدفن القديمة.
تكشف المقابر عن استخدام الجيولوجيا للمحافظة على الأراضي الزراعية وتوازن الحياة والموت.
الآثار المكتشفة تشمل تمائم وأحجار كريمة توضح العلاقة بين الروحانية والحياة اليومية.
كانت كولوساي مركزاً تجاريًا مزدهرًا وانتهت نتيجة لزلازل متلاحقة وإعادة الاكتشاف تعيدها سلط الضوء.
في حدث يثير خيال علماء الآثار ومحبي التاريخ على حد سواء، أعلن فريق تنقيب تركي عن اكتشاف 60 مقبرة قديمة في مدينة كولوساي التاريخية جنوب غرب تركيا. هذا الاكتشاف النادر يمنحنا نافذة استثنائية على طقوس الدفن والعقائد الروحية التي سادت قبل أكثر من ألفي عام، ويعيد تسليط الضوء على أهمية منطقة الأناضول كمهد للحضارات القديمة.
يشير قادة البعثة الأثرية إلى أن المقابر المكتشفة تعود إلى نحو 2200 سنة، وتُعد من أفضل المواقع حفظًا في المنطقة. وقد وُصفت بأنها أكبر "نيكروبوليس" – أي مدينة للموتى – في الأناضول، ما يجعلها كنزًا علميًا يساعد المؤرخين على ملء كثير من الفجوات في معرفة حياة تلك الشعوب القديمة ومعتقداتها.
وهذا الاكتشاف يربط بين الجهود البحثية الحديثة والطموح التركي لإحياء المواقع التاريخية ضمن مشروع “التراث من أجل المستقبل”.
أسرار الدفن ومعمار المقابر
المقابر المنحوتة في الصخور تكشف عن أساليب دفن متقنة استخدمت خلالها الطبيعة كأداة معمارية. فقد اختار السكان القدماء مناطق الحجر الجيري المسطحة لتكون مدافنهم، في حين احتفظوا بالأراضي الخصبة للزراعة. ويبرز هذا التوازن بين الحياة والموت، بين الزراعة والروحانية، كدليل على وعيهم البيئي المبكر.
ويقول بارش ينر، رئيس فريق التنقيب وأستاذ الآثار بجامعة باموق قلعة، إن هؤلاء الناس استخدموا التضاريس الجيولوجية بشكل عبقري، فحفروا المقابر في الصخور للحفاظ على الأراضي المزروعة بالحبوب، مؤكداً أن هذه المقابر تقدم لمحة فريدة عن علاقة الإنسان القديم بالطبيعة والروح.
ومن هذه الصورة البيئية والعملية ننتقل إلى البعد العقائدي الذي كشفت عنه محتويات القبور.
رموز الإيمان والروحانية القديمة
بين ما وُجد داخل المقابر، عُثر على تمائم وأحجار كريمة وأساور تحمل نقوشاً رمزية كانت تُستخدم للحماية من الأرواح الشريرة أو لجلب الشفاء. مثل هذه اللقى – التي يمكن وصفها بكنوز روحية – تعكس مدى ارتباط سكان كولوساي بفكرة السحر الإيجابي والإيمان بقوى ما وراء الطبيعة. وقد اعتبر علماء الآثار أن تلك الأدلة تؤكد انصهار الدين والممارسات اليومية في حياة الناس خلال تلك الفترة.
وهنا يتضح أن الدور الروحي لم يكن مجرد جانب طقسي، بل شكّل هوية المجتمع القديمة، شأنه شأن أنشطتهم الاقتصادية والحرفية.
مدينة كولوساي: من الازدهار إلى الزوال
كانت كولوساي واحدة من أبرز المدن خلال الحقبتين الفارسية ثم الرومانية، واشتهرت بصناعة الصوف والمنسوجات، ما جعلها مركزًا تجاريًا مزدهرًا في الأناضول. غير أن المدينة بدأت تفقد مكانتها تدريجياً مع صعود مدينتي هيرابوليس ولوديقية المجاورتين. ثم جاء زلزال مدمر في القرن الأول الميلادي ليقضي على معظم معالمها، قبل أن يُعاد بناؤها في القرن السابع الميلادي باسم “خوناى”. لكن القدر لم يكن رحيمًا بها، إذ دُمرت مجددًا إثر زلزال آخر عام 787 ميلادية، ما أدى إلى هجرتها واندثارها تحت التراب قرونًا طويلة.
يمثل هذا التسلسل الزمني الصاخب نموذجاً مصغراً لدورة الحياة والموت في المدن القديمة، وكيف يمكن للطبيعة أن تكون الخالق والهادم في الوقت ذاته.
واليوم، بفضل الأعمال الأثرية المستمرة التي تشرف عليها وزارة الثقافة والسياحة التركية بالتعاون مع جامعة باموق قلعة، عادت كولوساي إلى دائرة الضوء، لتروي قصة حضارة لم تمت بل اختبأت في أعماق الأرض في انتظار من يسمع صداها.
تلك المقابر، وما تحمله من رموز ومعتقدات، تذكّرنا بأن الإنسان القديم – رغم بساطة أدواته – كان يبحث عن الخلود والمغزى، تمامًا كما نفعل نحن اليوم، وإن اختلفت الوسائل والوجوه.









