الآباء المصابون بكوفيد ينقلون القلق لأطفالهم… من خلال الحيوانات المنوية!

3 د
أظهرت دراسة أن «كوفيد-19» قد يؤثر على الأجيال القادمة من خلال الحيوانات المنوية.
تم رصد تغييرات كيميائية في التعبير الجيني للحيوانات المنوية لدى المصابين.
ظهرت على النسل علامات سلوكية مثل ارتفاع القلق نتيجة إصابة الآباء.
تفتح النتائج حوارًا حول انتقال التأثيرات البيئية والفيروسية بشكل وراثي لاجيني.
قد يساعد تتبّع التأثيرات اللاجينية في فهم العلاقة بين العدوى والصحة النفسية.
كشفت دراسة علمية حديثة عن احتمال أن يكون لعدوى فيروس كورونا «كوفيد-19» تأثيرات تمتد إلى الأجيال التالية، إذ رصد الباحثون تغيرات ملحوظة في تركيبة الحيوانات المنوية لدى الذكور المصابين بالفيروس، ما قد ينعكس مستقبلاً على السلوك العصبي والنفسي للأبناء. هذه النتائج تفتح الباب أمام حوار جديد حول مفهوم **الوراثة اللاجينية** (Epigenetic Inheritance)، أي انتقال بعض التأثيرات البيئية أو الفيروسية إلى الأبناء دون تغييرات مباشرة في الحمض النووي.
وهذا الخيط العلمي يقودنا إلى تفاصيل أكثر دقة حول الدراسة وكيف توصّل الباحثون إلى هذه الملاحظات اللافتة.
تفاصيل الدراسة ومصدرها
البحث الذي تقوده مجموعة من العلماء في «معهد فلوري لعلوم الأعصاب والصحة النفسية» بأستراليا، والمنشور في دورية *Nature Communications*، استند إلى تجربة على الفئران. بعد إصابة الذكور بالفيروس، لاحظ الفريق تغيّرات كيميائية في التعبير الجيني داخل خلايا الحيوانات المنوية، وهو ما يصفه العلماء بأنه نوع من **التعديل الجيني التنظيمي** المرتبط بالعدوى الفيروسية.
عندما تزاوجت هذه الذكور، ظهرت على نسلها علامات سلوكية مثل ارتفاع مستويات **القلق والتوتر**، ما دفع الباحثين إلى الاعتقاد بوجود علاقة بين إصابة الآباء والاضطرابات العصبية المحتملة لدى الأبناء.
وهذا يربط بين ما اكتُشف في المختبر وبين تساؤلات علم النفس الحديث حول دور المناعة والعدوى في تشكيل السلوك الإنساني.
المغزى العلمي: ما وراء الجينات
يرى الخبراء أن هذه النتائج لا تعني أنّ «كوفيد-19» يغيّر الجينات نفسها، بل يشير إلى أن الإصابة قد تُحدث ما يُعرف بالبصمة اللاجينية، وهي تغييرات في طريقة تشغيل أو تعطيل الجينات من دون المساس بالسلسلة الوراثية. هذا النوع من التأثير قد يزول بمرور الوقت، لكنه أيضاً قد ينتقل بين الأجيال في بعض الحالات كما كشفت دراسات مشابهة على الإجهاد البيئي والتغذية.
وتتصل هذه الرؤية بالتوجه المتنامي في الأوساط العلمية لفهم الأمراض النفسية من زاوية وراثية-بيئية متكاملة، حيث تلعب **الهرمونات العصبية** و**التفاعلات المناعية** دوراً في تكوين المشاعر والسلوك.
وهذا يدفع إلى التساؤل عن مدى استمرارية هذه التأثيرات، وما إذا كانت قابلة للعلاج أو الوقاية.
انعكاسات على الصحة العامة والعمل البحثي
يؤكد الباحثون أن نتائجهم لا ينبغي أن تثير الذعر، لكنها دعوة إلى توسيع نطاق البحث حول التداعيات طويلة الأمد للعدوى الفيروسية على صحة النسل. فتتبّع التأثيرات اللاجينية قد يساعد في فهم العلاقة المعقدة بين العدوى، والخصوبة، والصحة النفسية، وربما يوجّه برامج الوقاية والرعاية المستقبلية.
ما يعني أن فهمنا لتأثير «كوفيد-19» لم يكتمل بعد، وأن السياسات الصحية يجب أن تتعامل مع حضوره كحدث بيولوجي واجتماعي طويل الأمد في آنٍ واحد.
خاتمة
في النهاية، توحي هذه الدراسة بأن تبعات الجائحة لا تقف عند حدود الجهاز التنفسي أو المناعي، بل قد تصل إلى الخطوط الوراثية نفسها. فإذا تأكدت هذه الفرضيات لاحقاً لدى البشر كما في التجارب الحيوانية، فسيكون على العلم مواجهة مرحلة جديدة من أسئلة الوراثة والسلوك، حيث يلتقي الفيروس بالجين، ويعيد رسم ملامح الأجيال القادمة.









