ذكاء اصطناعي

الأرض تمتص حرارة أكبر من المتوقع: وتيرة مقلقة تضاعفت خلال عقدين

محمد كمال
محمد كمال

4 د

تظهر الدراسة زيادة في احتباس حرارة الأرض، مما يهدد بمزيد من التقلبات المناخية.

أكد الباحثون أن توازن الطاقة في الأرض تغير بشكل مقلق منذ الألفية الجديدة.

تمتص المحيطات جزءًا كبيرًا من الحرارة الزائدة، وفقًا لقياسات الروبوتات العائمة.

الغطاء السحابي تغير، مما يؤدي لمزيد من احتباس الحرارة في الغلاف الجوي.

النماذج المناخية تحذر من تداعيات خطيرة دون تقليل سريع لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

يبدو أن كوكبنا يواجه تحولاً مناخياً أسرع مما تصورنا سابقاً؛ هذا ما كشفته دراسة حديثة تشير إلى تضاعف كمية الحرارة التي تمتصها الأرض خلال آخر عشرين عاماً بشكل يفوق توقعات علماء المناخ بكثير.

في تفاصيل مثيرة ومقلقة للدراسة الحديثة، أشار الباحثون إلى أن ما يُعرف بـ"اختلال توازن الطاقة" على كوكب الأرض، وهو الفرق بين كمية الحرارة التي تتلقاها الأرض من الشمس وتلك التي تنبعث عائدة إلى الفضاء مجدداً، قد ارتفع منذ أوائل الألفية الجديدة من حوالي 0.6 واط لكل متر مربع إلى 1.3 واط لكل متر مربع، أي ما يزيد على الضعف تقريباً خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً.

ولتقريب الصورة أكثر، يمكننا القول إن اختلال توازن الطاقة يشبه كثيراً الحساب البنكي؛ تتلقى الأرض طاقة من الشمس على شكل حرارة، ويُعاد جزء من هذه الطاقة إلى الفضاء، لكن كميات متزايدة من غازات الاحتباس الحراري، لا سيما ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، تمنع جزءاً من هذه الحرارة من الهروب، ما يؤدي إلى تراكم الطاقة على سطح كوكبنا.


مصادر رصد قلق العلماء

لفهم مدى خطورة هذا الاختلال، يعتمد العلماء أساساً على طريقتين لمراقبة توازن الطاقة: الأولى هي استخدام الأقمار الصناعية المزودة بأجهزة حساسة تسمى "الراديومتر"، وتقيس هذه الأقمار كمية الطاقة القادمة من الشمس والمنطلقة من الأرض. الطريقة الثانية تعتمد على القياسات الحرارية في المحيطات، حيث تلعب المحيطات دور المستودع الرئيسي، إذ تمتص نحو 90% من فائض الحرارة المتراكم على الأرض. وتستخدم في ذلك مجموعة من الروبوتات العائمة التي بدأت قياسات الحرارة منذ التسعينيات.

وتكشف القراءات المستمدة من كلا المصدرين نتيجة صادمة: كمية الطاقة المحتجزة في الأرض أكبر بكثير مما تتنبأ به نماذج المحاكاة المناخية الحالية، الأمر الذي يعني أن التنبؤات المناخية قد تكون أقل مما يفترضه الواقع بكثير، مما يهدد بالمزيد من التقلبات المناخية المتسارعة والمفاجئة في المستقبل.

هذا يربطنا بعنصرٍ آخر لا يقل خطورة، وهو التغيرات الكبيرة التي تم رصدها مؤخراً في الغطاء السحابي للأرض. فعادةً تساعد السحب البيضاء، التي تمتاز بقدرتها العالية على عكس ضوء الشمس، في تبريد الكوكب. لكن الملاحظ مؤخراً أن انتشار هذا النوع من السحب أصبح أقل، بينما تتوسع مساحة السحب الأقل انعكاسية، والتي تسمح بمرور مزيد من الطاقة والحرارة واحتباسها داخل غلاف الأرض الجوي.

ولا تزال الأسباب الدقيقة وراء هذه التغيرات في الغطاء السحابي غير واضحة. ويعتقد بعض الباحثين أن إجراءات خفض انبعاثات الكبريت في وقود السفن منذ 2020 هي جزء من السبب. لكن آخرين يشيرون إلى أن هذا الاختلال في التوازن الحراري بدأ قبل وقت طويل من تطبيق هذه القيود، مما يزيد من احتمالية أن يكون الأمر مرتبطاً بشكل مباشر بارتفاع حرارة الكوكب، وهذا سيزيد من تعقيد المشكلة ويدخلنا في دورة ردود فعل تسارع من الاحتباس الحراري، تسمى "حلقة التغذية الإيجابية".

وترتبط هذه الإشارات بشكل واضح بالأحداث المناخية المتطرفة التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية، مثل موجات الحر الشديدة، وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، والجفاف المطول، وحتى ارتفاع درجات حرارة البحار والمحيطات إلى مستويات قياسية.

وفي هذا الإطار، تحذر الدراسة الجديدة من أن النماذج المناخية التي كانت الأكثر دقة في توقع التغيرات الحقيقية هي تلك التي تتمتع بحساسية مناخية مرتفعة. هذه النماذج تشير إلى أنه ما لم يحدث تخفيض كبير وسريع في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فإن الأرض قد تواجه تداعيات مناخية أكثر حدة وخطورة مما شهدناه حتى الآن.

ذو صلة

وفي ختام هذه الصورة المثيرة للقلق، علينا أن نعي جيداً الدور الحاسم الذي تلعبه الأقمار الصناعية في رصد هذه المتغيرات المناخية الحيوية. إلا أن البرامج الفضائية المخصصة لمتابعة المناخ في بعض الدول، وبالأخص الولايات المتحدة، تواجه تهديدات بتخفيض التمويل، الأمر الذي قد يعوق بشدة قدرتنا المستقبلية على مراقبة وفهم التغيرات المناخية وتعزيز استجابتنا لها.

وبنظرة شاملة للموضوع، نجد أننا أمام واقع جديد، يدعونا للتفكير الجاد والسريع وأن نعمل سوياً على تعزيز الاستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتنبيه الجهات المختصة إلى أهمية حماية وتطوير شبكة الرصد الفضائية، حتى نتجنب عواقب ربما تكون أكثر فداحة في المستقبل.

ذو صلة